الأحد، ١٢ أكتوبر ٢٠٠٨

الشرق الموريتاني.. يستغيث!

يواجه أسوأ كارثة جفاف تشهدها البلاد منذ ثلاثة عقود
الشرق الموريتاني.. يستغيث!
موريتانيا : سيد أحمد ولد باب
الفقر والحرمان والمرض أحد أبرز مظاهر العوز والبؤس التي تقابلك في كل مكان في أرياف وقرى منطقة الحوض الشرقي في موريتانيا، فالأرض جدباء قاحلة، والأشجار شهباء داكنة، قد كشرت عن أشواكها الحادة البيضاء معلنة جفاف الطبيعة وشح المياه. والأرض التي كانت معطاءة يوماً ما تحولت إلى بور وسهول جدباء يغلفها الشحوب ويسرح بين مرابعها الجوع والعطش، وتدثرها زوابع الصيف اللافحة وهبات نسائمه الحارقة بأجواء كئيبة تزهق الأنفس وتمرض الأبدان. هكذا بدت لنا قرى ونجوع "آدوابه" المترامية في منخفض "الخط" الحدودي بين موريتانيا ومالي. ودلالة الحال كانت أبلغ في الإشارة إلى بؤس الأوضاع واتساع دائرة الفقر، ومع ذلك جازفنا بطرح الأسئلة المعهودة واستنطقنا دلالة المقال علها تكون أبلغ في التعبير عما لم تفصح عنه الجباه المتغضنة والأكف الخشنة والأسمال البالية.. فما أبرز المشاكل المعيشية المطروحة على آدوابه (الخط) وما مطالبهم للرفع من مستوياتهم المعيشية؟
شبح العطش
"الماء ذلك الكبريت الأحمر في الصحراء" مقولة تحمل أكثر من مغزى في قرى وتجمعات "آدوابه" (قرى الأرقاء السابقين) حيث يطل شبح العطش مهدِّداً بهلاك الحرث والنسل، فالمياه العذبة شحيحة شح المراعي الخصبة في أوج الصيف، ورغم الطابع الرعوي للمنطقة حيث تسرح قطعان الماشية والأغنام إلا أن مشكلة المياه الصالحة للشرب تبقى أحد منغصات الحياة ومصدر معاناة متجددة للسكان لا سيما إبان فترة الصيف. وفي هذا السياق يقول مسؤول قرية "بوحفرة" الحدودية "دمب ولد خطار": إن توفير المياه الصالحة للشرب من أهم مطالب القرية وذلك بسبب ملوحة المياه ونضوب عيون الماء العذبة، وعلى سبيل المثال يقول ولد خطار إن القرية تحتوي على 25 بئراً لا يصلح منها للاستعمال سوى خمس فقط هي مصدر تموين القرية والتجمعات المجاورة لها بالماء، مشدداً على المخاطر التي تهدد السكان نتيجة نقص المياه وبسبب قلة الآبار غير المالحة في المنطقة وضعف عمليات الصيانة والإصلاح للمتواجد من الآبار، مما يجعل السكان أمام خيارين: إما حفر بئر جديدة أو جلب المياه من آبار بعيدة لعدم قدرتهم على إصلاح تلك الآبار المتهدمة والمطمورة والتي تصبح خطرا محدقاً بالإنسان والماشية. ومن المفارقة أن توافَق مقدمنا مع سقوط أحد العجول في بئر القرية. وعن طبيعة الآبار الموجودة يقول دمب إنها آبار جوفية يتراوح عمقها ما بين 5 إلى 10 أمتار يحفرها السكان بوسائلهم البسيطة وبدون دعامات إسمنتية كما تبقى مكشوفة معرضة لطمر الرمال والتلوث، مشيراً إلى أن التلوث وصل في أحد المرات حد اكتشاف جراثيم متحركة في المياه، وتكون الآبار عرضة لهذا النوع من الآفات في فصل الخريف. وعلى مستوى جهود التدخل لإسعاف السكان قال ولد خطار: إن بعثة من وزارة التنمية الريفية جاءت في أكتوبر الماضي ووعدت بحفر بئر للقرية لكنهم لم يعودوا إلى الآن! وبالتالي فإن السكان يطالبون بالإسراع في تنفيذ المشاريع التي تعهد بها مشروع التنمية الريفية الذي قام بزيارة القرية في 26 يوليو 2005 وكانت مشكلة توفير المياه الصالحة للشرب من أبرز المشاكل التي سجل المشروع أن القرية تعاني منها. معاناة السكان: شح المياه وهواجس السكان من المياه المالحة كان أحد الهموم الحاضرة حتى على مستوى تسمية الآبار ونقاط الحفر، فالماء دوماً هو مصدر الحياة والنماء، من هنا لم يكن غريباً أن تستقي معظم الآبار الجوفية في المنطقة أسمائها من طبيعة مياهها وما إذا كانت عذبة أو مالحة، ربما من باب التفاؤل طوراً أو كشفاً للحقيقة في أخرى. وفي قرية الباردة 10 كلم من مدينة "كمبي صالح" التاريخية ورغم عذوبة المياه كما يعكسها اسم القرية إلا أن معاناة السكان تكشف صورة أخرى حين يتحتم عليهم جلب المياه من مسافات بعيدة. وعلى غرار آبار المنطقة فإن بئر القرية ليس في مأمن من النضوب وانخفاض مستوى المياه لا سيما في هذه الفترة الحرجة من العام، كما أن عمق البئر نوعاً ما وإن ضمن مستوى من صفاء المياه إلا أنه لم يوفر على السكان جهد ومشقة امتياح البئر ونزحها بالوسائل التقليدية، ولم يكفهم مؤنة ارتيادها من أماكن بعيدة متجشمين تعب الطريق وبعد الشقة.وكما يقول وجيه قرية "الباردة" اسغير ولد صمب فإن العطش من أبرز مشاكل السكان لبعد الآبار ونضوب المياه من حين لآخر، وبينما كان يشير إلى قوالب اللبن وبعض الأخشاب المتناثرة قال ولد صمب: "هذه أساسات المسجد وتجهيزاته مركونة منذ فترة بسبب نقص المياه وعدم القدرة على إنهاء البدء في الإنشاء، مؤكداً مطالب السكان التي تأتي في بدايتها إنشاء بئر ارتوازية والمساعدة في التخفيف من آثار الفقر من خلال تقديم معونات غذائية ودعم النشاط الزراعي للسكان". وهي المطالب نفسها التي أكدها باب ولد فال شيخ قرية "انبيه الصفراء" 40 كلم من مقاطعة بوسطيل الحدودية الذي قال إن من أسباب شح المياه كثرة الماشية وقلة الآبار العذبة ذات المياه الوفيرة، إذ غالباً ما يهجر السكان آبارهم بسبب عدم القدرة على ترميمها ونتيجة المخاطر المترتبة على إصلاحها.
بيع المياه
وفي أغلب القرى والتجمعات السكانية كان النشاط الأبرز هو بيع براميل المياه المحمولة على عربات تجرها الحمير، وكان من اللافت استمرار هذا النشاط حتى أوقات متأخرة من الليل.. فضلاً عن وجود تسعيرة شبه موحدة في معظم هذه القرى 100 أوقية للبرميل، كما في مدينة "كومبي صالح". أما في المدن والمقاطعات الكبرى فإن شح المياه لم يغب لحظة عن الأنظار، وكانت التسعيرة خاضعة لقانون العرض والطلب وكما يقول أحد الباعة في "تمبدغه" فإن سعر المياه يتراوح ما بين 500 إلى 1000 أوقية. و"إذا عز الشيء غلا ثمنه" قاعدة يدركها جيداً أرباب التجار ومحترفو الاستثمار، لكن أن تسحب هذه القاعدة على الآبار ونقاط المياه فذلك ما لم يكن في الحسبان قبل أن يطرح بعض السكان مشكلات النزاعات والخصومات التي مصدرها تزايد حالات بيع الآبار، ذلك أن سنوات الجفاف أوجدت شبه اتفاق ضمني بين السكان الأصليين والرعاة الوافدين يقضي بأن من حفر بئراً كان له الحق في ملكيته، لكن الملاحظ والقول ل"دمب ولد خطار" شيخ قرية "بوحفره" أن هذه الطريقة استغلت لوضع اليد على الأرض مسببة الكثير من المشاكل والدعاوى القضائية بعد انتشار حالات بيع الآبار التي كان آخرها النزاع بين أهل "كيكره" الذي وصل إلى السلطات الإدارية ولا يزال الخلاف قائماً إلى اليوم!
نداء استغاثة
من جانبها وجهت لجنة الإصلاحيين الوسطيين نداءً عاجلاً إلى السلطات العمومية والمنظمات والجمعيات الخيرية والمجتمع السياسي، بالتدخل العاجل لمساعدة سكان الحوضين في مواجهة محنة الجفاف التي ضربت المنطقة هذا العام وتقديم الإسعافات الضرورية لإنقاذ أرواح المواطنين وممتلكاتهم من شبح الأمراض والعطش والجوع. وقال منسق اللجنة القيادي الإسلامي محمد جميل ولد منصور بأنها توصلت بتقارير ميدانية من الأهالي في منطقة الحوضين تواترت على أن المنطقة تتعرض لموجة جفاف صعبة، تضرب أطنابها عموم الولايتين (الحوض الغربي والشرقي) تشبه إلى حد كبير ما عرفته المنطقة في السابق من جفاف مدمر خلف آثاراً كارثية على النفوس والمواشي معاً (محنة جفاف عامي 1984 و2003). وقد تجلت آثاره حتى الآن في النزوح الجماعي المبكر نحو المناطق الجنوبية الحدودية لدولة مالي بالإضافة إلى شدة العطش، وشيوع الأمراض الناتجة عن سوء التغذية.

(*) مقال منشور فى الخامس من يونيو 2006 بمجلة المجتمع الكويتية

ليست هناك تعليقات:

سيد أحمد ولد باب ،موريتانيا

سيد أحمد ولد باب ،موريتانيا

أرشيف المدونة الإلكترونية