الأحد، ١٢ أكتوبر ٢٠٠٨

قوارب الموت تنطلق من موريتانيا


الفقر والبطالة يدفعان المهاجرين الأفارقة إلى اجتياز الحدود أملاً في دخول أوروبا
قوارب الموت تنطلق من موريتانيا
نواكشوط : سيد أحمد ولد باب (*)
الهجرة غير الشرعية (السرية) ظاهرة عالمية موجودة في كثير من دول العالم خاصة إلى أوروبا والتي أصبحت إحدى القضايا المزعجة وتحظى باهتمام كبير في السنوات الأخيرة. ويؤكد الخبراء أن مشكلة الهجرة إلى أوروبا تكاد تكون مشكلة اقتصادية بالأساس، فبالرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، إلا أن الدوافع الاقتصادية تأتي في مقدمة هذه الأسباب!ففي أسبوع واحد لقي 45 مهاجراً إفريقياً حتفهم على الشواطئ الموريتانية غرقاً، بعد أن ضاع زورقهم في عرض البحر خلال رحلة صعبة إلى جزر الخالدات انتهت بالموت في الشواطئ الموريتانية بعد ثلاثة أيام من الضياع، وقد تلقى الهلال الأحمر الموريتاني أول البلاغات من سفينة صيد إيطالية شاهد أصحابها زورقاً صغيراً يلاطم الأمواج، لكن القدر كان أسرع رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها السلطات الموريتانية لتدارك المنكوبين.
كوارث بحرية
وبعد يومين أعلنت السلطات الموريتانية عن ثاني كارثة بحرية جديدة، بعد أن تم فقدان 22 مهاجراً من دول جنوب الصحراء في حادثي غرق منفصلين وقعا على الشواطئ الموريتانية في أوقات متقاربة؛ مضيفة أن السلطات المغربية كانت قد سلمت في وقت سابق للسلطات الموريتانية 20مهاجراً نجوا من غرق عبارة كان يستقلها 43 كانت في طريقها إلى الأراضي المغربية قادمة من موريتانيا. ويُعتقد أن القاربين كانا في طريقهما لجزر الكناري بإسبانيا التي يكثر توافد المهاجرين غير الشرعيين إليها، في محاولة للتسلل لدول الاتحاد الأوروبي أملاً في العثور على حياة أفضل.وتشير أماكن الحوادث إلى أن مهربي البشر بدؤوا يكثرون استخدام الطرق الجنوبية التي تؤدي لإسبانيا عبر المرور بموريتانيا، في محاولة لتجنب الإجراءات الأمنية المشددة على الحدود المغربية.
قلق إسباني
وتبدي السلطات الإسبانية قلقها من عودة ارتفاع معدل قوارب الموت التي تصل إلى شواطئ جزر الخالدات خلال الأيام الأخيرة والتي قاربت 500 مهاجر سري، في حين ترغب مدريد في تمديد التعاون لمواجهة هذه الظاهرة إلى دول إفريقيا الغربية ومن ضمنها موريتانيا والسنغال وجامبيا.وكانت جزر الخالدات قد سجلت تراجعاً في نسبة قوارب الموت ناهز 44% خلال سنة 2005، لكن منذ بداية السنة الجارية ارتفعت وتيرة القوارب، وبلغت ذروتها ما بين نهاية فبراير وبداية آذار مارس الجاري. وخلال هذه المدة الزمنية وصل أكثر من 13 قارباً، وكل واحد علي متنه ما يقارب 45 مهاجراً سرياً، وخلفت غريقاً واحداً مؤخراً بعدما سقط مهاجر في مياه البحر وابتلعته الأمواج، ولم يسجل فقدان أي قارب مؤقتاً؛ رغم أن البحر هائج للغاية.حراسة الشواطئ: وتفيد بعض التفسيرات لعودة هذه الظاهرة أن المغرب قلل نسبياً من الحراسة في الشواطئ الصحراوية التي تنطلق منها هذه القوارب، بعدما نقل قوات الجيش والدرك وكثف من التواجد الأمني في مدن الصحراء مثل العيون وسمارة والداخلة؛ تفادياً لوقوع اضطرابات واحتجاجات عنيفة من طرف أنصار جبهة البوليساريو بمناسبة احتفالات الذكرى الثلاثين لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.لكن وسائل الإعلام الغربية ترى أن هناك عوامل أخرى من ضمنها أن الشواطئ الصحراوية شاسعة وممتدة على طول مئات الكيلومترات والتي تتطلب حراستها مجهودات جبارة، لاسيما أن العصابات الناشطة في مجال الهجرة السرية تترقب فرص المناطق التي تكون خالية من الحراسة مؤقتاً لاستغلالها للانطلاق نحو جزر الخالدات، في الوقت نفسه، فتشديد الحراسة في مضيق جبل طارق خلال الشهور الأخيرة جعل الهجرة تركز على شواطئ الصحراء نحو الجزر المذكورة أو انطلاقاً من شمال شرق المغرب نحو الجنوب الشرقي لإسبانيا وبالضبط منطقة ألمرية. ووعياً منها بخطورة ارتفاع الهجرة السرية مستقبلاً في اتجاه جزر الخالدات التي تعيش ضغطاً من طرف المهاجرين السريين، أعلنت حكومة مدريد أنها توصلت إلى اتفاقيات مع عدد من الدول من ضمنها موريتانيا والسنغال وجامبيا لمواجهة قوارب الهجرة السرية وتتمثل هذه الاتفاقات علاوة على تبادل المعلومات حول العصابات إلى إقامة ضباط اتصال إسبان في هذه الدول على شاكلة تواجدهم في المغرب يساعدون على تفكيك عصابات تهريب البشر، ثم توسيع مجال اشتغال دوريات الحرس المدني إلي المياه الدولية القريبة من موريتانيا لمراقبة سفن الشحن الدولي التي يحمل بعضها مهاجرين سريين ولدي اقترابها من شواطئ جزر الخالدات تترك هؤلاء المهاجرين يكملون رحلتهم في قوارب مطاطية صغيرة.
استنفار موريتاني
لم تعد موريتانيا حلقة وصل بين الدول العربية والإفريقية، بل أصبحت خلال السنوات الأخيرة ممراً هادئاً لطالبي الحياة الكريمة في أوروبا حتى ولو كانت التكاليف باهظة، مما دفع السلطات الموريتانية المتعاقبة إلى وضع المشكلة على أجندتها السياسية كأهم التحديات التي يواجهها البلد بعد الفقر وغياب الديمقراطية.ولا تزال السلطات الموريتانية كشقيقتها المغربية تشكو من ضعف الوسائل وضغط المهاجرين لتتحمل مشاكل الاتحاد الأوروبي مع مشاكلها الذاتية، في وقت تتلاقف فيه أمواج الأطلسي مئات الجثث وعشرات القوارب الشراعية المحملة بأكداس المهاجرين، مما دفع الوزير الأول الموريتاني إلى عقد اجتماع موسع مع عدد من أعضاء حكومته، بالإضافة إلى قادة الأجهزة العسكرية والأمنية في البلاد لمناقشة الوضع الحالي بعد كارثة الشواطئ الموريتانية. وكرس الاجتماع الذى عقد في الثامن من مارس الجاري والذي استغرق عدة ساعات لبحث سبل تعزيز الرقابة على المصائد ومكافحة الهجرة غير الشرعية. وحسب بعض مصادر المجتمع فقد أصدر الوزير الأول تعليماته بمواجهة مخالفات الصيد في منطقتنا الاقتصادية الحصرية، وخاصة الصيد اللا شرعي غير المعلن وغير المنضبط بالقوانين والنظم المعمول بها، ولهذا الغرض تم إعداد خطة عملية ستدخل حيز التنفيذ قريباً وستسخر لتطبيق هذه الخطة جميع وسائل الدولة البحرية، كما ستشارك في تطبيقها عدة هيئات حكومية.كما اتفقوا على إنشاء قيادة أركان جهوية في ولاية أنواذيبو لتنسيق وسائل الدولة من خلال تكييف المساطر الإجرائية، وفى مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية أصدر المشاركون أوامرهم بضرورة تطبيق جميع الإجراءات الضرورية لمواجهة الأزمة الحالية.من الصعب تحديد حجم الهجرة غير الشرعية، نظرًا للطبيعة غير الرسمية لهذه الظاهرة، وغالبًا ما تتفاوت التقديرات التي تقدمها الجهات المختلفة لأعداد المهاجرين، وتقدر منظمة العمل الدولية حجم الهجرة السرية بما بين 10 15% من عدد المهاجرين في العالم.. البالغ عددهم حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة حوالي 180 مليون شخص وحسب منظمة الهجرة الدولية؛ فإن حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل إلى نحو 1.5 مليون فرد.أما عن الهجرة الشرعية، فقد ذكرت جامعة الدول العربية في تقرير لها حول الهجرة المغاربية إلى أوروبا خلال الأربع أشهر الأولى من عام 2005 أن الجالية التونسية شهدت في عام 2004 زيادة بلغت 6.2%، مقارنة بعام 2002، ليصل عددهم إلى 701.660 ألف مهاجر.. 58% منهم في فرنسا وحدها. وأعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج التونسية، أن عدد العاطلين في الجالية التونسية بأوروبا يبلغ حوالي 123 ألف فرد، بنسبة 28% في فرنسا، 45% في بلجيكا، تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن الجالية المغربية في إيطاليا تبلغ 300 ألف شخص، كما أن 35.700 ألف مهاجر مغربي حصلوا على بطاقة الإقامة في إسبانيا، على أساس التجمع العائلي منذ بداية 2005م.وقد أعلنت دول المغرب العربي، عن حاجتها إلى مزيد من المساعدات الاقتصادية من الاتحاد الأوروبي؛ لوقف الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا.ويقول المراقبون: إن الفقر والبطالة أصبحا يدفعان المهاجرين المغاربيين والأفارقة إلى محاولة اجتياز الحدود؛ أملاً في دخول أوروبا "الغنية"، وهو ما يسفر عن وقوع الكثير من الضحايا أثناء تلك المحاولات، وإن عصابات من المهربين أصبحت تتبنى عمليات الهجرة غير المشروعة، وأصبحت تشكل شبكات إجرامية لاستغلال الأشخاص الراغبين في الهجرة، وتبتكر لذلك دائماً أساليب جديدة.
برشلونة وميدا
وتبذل الدول المصدرة والمستقبلة للمهاجرين جهودًا كبيرة للتنسيق والتعاون الأمني ومراقبة الحدود وتحسين الظروف السياسية والاجتماعية، لكن هذه الخطوات حسبما يرى مراقبون تبقى محدودة وغير كافية لتنظيم الهجرة، والحيلولة دون تنامي الهجرة غير المشروعة، وبجانب هذه الإجراءات الجزئية، فإن محاربة الهجرة غير المشروعة، يتطلب على المدى الطويل مواجهة الأسباب الاقتصادية التي تقود إليها، وفي مقدمتها الفقر والبطالة، وضعف التنمية. من خلال إستراتيجية للقيام بإصلاحات عميقة في الدول المصدرة، وتنفيذ عملية تنمية مستدامة.وفي هذا الإطار يعتبر إعلان برشلونة، نموذجاً جيداً لهذه الإستراتيجية، حيث بدأ التعاون الاقتصادي الأوروبي المتوسطي بمعاهدة برشلونة في عام 1995، عندما وقعت 12 دولة متوسطية أغلبها دول عربية مع دول الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة في ذلك الوقت معاهدة تهدف في النهاية لإنشاء منطقة تجارة حرة بين تلك الدول بحلول عام 2010 ورفع المستوى الاقتصادي لدول جنوب المتوسط.ونتيجة لمعاهدة برشلونة طرح الاتحاد الأوروبي برنامجه الأول للمعونة والتعاون، المعروف اختصارًا باسم "ميدا لتطوير الوضع الاقتصادي في دول جنوب المتوسط، ودفع عمليات التنمية الاقتصادية، ودعم الروابط الاقتصادية بين دول الاتحاد والدول المتوسطية".

ليست هناك تعليقات:

سيد أحمد ولد باب ،موريتانيا

سيد أحمد ولد باب ،موريتانيا

أرشيف المدونة الإلكترونية