حاوره فى نواكشوط سيد أحمد ولد باب (*)
في الخامس والعشرين من مارس الفائت انتخب الشعب الموريتاني بأغلبية كبيرة رئيساً جديداً لموريتانيا بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية وسنتين من حكم الجيش إثر انقلاب عسكري نال مباركة الجميع، كانت كل المؤشرات في جولة الإعادة تشير إلى أن الاقتصادي العائد من منفاه الاختياري بالنيجر بعد رحلة عمل في دولة الكويت السيد: سيد محمد ولد الشيخ عبد الله سينال الأغلبية في الجولة الأخيرة من الانتخابات التي شهدت استقطاباً قوياً بين الفرقاء السياسيين وخصوصاً بعدما ضمن الرئيس ولاء مجموعات بارزة في مقدمتها كتلة المستقلين (الأغلبية في البرلمان) وكتلة (لحراطين) بقيادة رئيس البرلمان الحالي ورئيس حزب التحالف الشعبى التقدمي مسعود ولد بلخير.ومنذ وصوله إلى سدة السلطة كأول رئيس منتخب في موريتانيا منذ نشأة الدولة والانفصال عن فرنسا عام 1960م بات ولد الشيخ عبد الله أحد رموز المعادلة السياسية الصعبة في موريتانيا بجرأة فاقت كل التوقعات، وانفتاح سياسي نادر في تاريخ الحياة السياسية، في بلد تعوّد قادته على حسم الأمور بالقوة والصراع مع المنافسين.فتح ولد الشيخ عبد الله متكئاً على شرعية لامنازعة فيها أغلب الملفات الحساسة وتعهد بطرح أخرى على الشعب لضمان استقرار أمن البلاد وطي كل الصفحات التي من شأنها تعكير مستقبل التنمية في موريتانيا متعهداً بإنهاء معاناة الموريتانيين في الداخل والخارج مهما كانت التحديات.في التاسع والعشرين من يوليو 2007م قدم ولد الشيخ عبد الله اعتذاراً رسمياً باسم الدولة الموريتانية لأول مرة في تاريخ البلاد للأفارقة الزنوج الذين رحلوا من ديارهم أيام المد القومي في موريتانيا وتعهد بإنصاف ضحايا السنوات السود التي راح ضحيتها الآلاف من الموريتانيين الزنوج مابين قتيل ومشرد في دول الجوار وسجين ينتظر قرار جلاديه.وفي ذات الوقت دفع بمشروع قانون يحارب كل مظاهر الاستعباد في موريتانيا وينصف الضحايا، نازعاً ورقة "العبودية" التي طالما أشهرت في وجه الأنظمة السياسية فنال المشروع ثقة نواب البرلمان وبات القانون الجديد حديث الموريتانيين..ولم يكن الترخيص للتيار الإسلامى (الإخوان المسلمون) في إنشاء حزب سياسي إلا أحد الملفات التي تحدث عنها الرئيس في حواره مع المجتمع كواحدة من وعوده بتحسين وضع الحريات العامة في موريتانيا وإنهاء الحرمان السياسي الذي فرض على شرائح واسعة من أبناء الشعب دون وجه حق.ورغم ذلك لايزال ولد الشيخ عبد الله يواجه العديد من الملفات الكبرى والتحديات الجسيمة، ومن أبرزها موضوع التنمية في موريتانيا؛ لكنه يشعر بالزهو الآن بعد نجاح مؤتمر باريس للمانحين ووعود الأشقاء العرب بتقديم يد العون والمساعدة للبلاد.."المجتمع" حملت العديد من الملفات الشائكة إلى الرئيس الموريتاني سيد محمد ولد الشيخ عبد الله في قصر الرئاسة بالعاصمة نواكشوط قبل ساعات قليلة من توجهه إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج بعدما رسخ في نفوس الموريتانيين إمكانية صلاة الجمعة مع الناس في مساجدهم العامة رغم الأخطار والمحاذير، وأعاد العطلة إلى سابق عهدها (يوم الجمعة) رغم تبريرات الاقتصاديين وتحفظ بعض الشركاء المصدومين.كان الوقت بكوراً وكان القصر الرئاسي هادئاً مع بزوغ شمس يوم السبت 15-12-2007م باستثناء حراس الرئيس وعدد قليل من مستشاريه ورفاق دربه المقربين...كانت تنتابني وأنا داخل إلى قصر الرئيس هيبة الدخول على الملوك؛ لكن بساطة الرجل وطلاقة وجهه وسرعة تواصله مع ضيوفه ومعاونيه جعلتني أشعر بأنني في مكتبي وبين رفاقي ولست ضيفاً على أهم شخصية في موريتانيا الآن!!وفي داخل القصر الرئاسي كنت أتأمل كيف بدأت تتبدل ملامح القصر الجديد بعد ثمانية أشهر من زيارتي الأخيرة له؟! وكيف بدأت منارة المسجد الجديد تأخذها شكلها النهائى بعد شهور من العمل المتواصل؟! فالرئيس كما يقول المقربون منه مصدوم من قصر دون مسجد لذا بادر ببناء مسجده الجديد كأول تعديل عمراني داخل مؤسسة القصر.كان كافياًً أن تشعر أي حارس بأنك على موعد مسبق مع الرئيس فلا تفتيش في المكان ولا تدقيق في هوية الضيف رغم التواجد المكثف لعناصر الحرس.. فالرئيس منتخب والعلاقة مع الشعب ممتازة وملف الجماعات المتهمة بالجنوح للعنف قد أنهاه بعد شهرين من وصوله إلى السلطة بالإفراج عن الجميع.وبعد لحظات قليلة من وصولي للمكتب الذي أعد للمقابلة كان الرئيس جاهزاً مع ترحيب كبير وممازحة تلمس فيها وقار الرجل وتواضعه وكان في الأخير لنا معه الحديث التالي:لم أجد بداً من البدء بالسؤال عن الجانب الاقتصادي لأنه يمس حياة المواطن الموريتاني وسألت فخامة الرئيس عما سيفعله لمواجهة الركود الاقتصادي الحادث في البلاد منذ سنوات عديدة؟فقال: ربما تكون الإصلاحات بطيئة إذا ما قورنت بطموحنا للبلد لكنها ليست كذلك إذا ما قيست بالفترة الزمنية التي مرت علينا في الحكم حتى الآن أي ما يقرب من سبعة أشهر.وتتلخص هذه الإصلاحات في البرنامج الانتخابي الذي قدمته للمواطنين خلال الحملة الرئاسية وهو البرنامج الذي منحوني ثقتهم على أساسه، ويرتكز بدوره على المحاور التالية:تدعيم الوحدة الوطنية، وإرساء دولة القانون، ورفع مستوى النمو الاقتصادي، وتحسين تسيير الشؤون العامة، وإرساء قواعد الحكم الرشيد، وترقية الموارد البشرية، ونفاذ السكان إلى الخدمات الأساسية، وتحسين البنى التحتية، وترقية القطاع الخاص.وفي إطار تنفيذ هذا البرنامج، قمنا باتخاذ العديد من الإجراءات الملموسة مثل إصدار قانون يهدف إلى القضاء على مخلفات الرق من خلال تجريم الممارسات الاسترقاقية كافة، وعقد أيام تشاورية ناجحة حول عودة اللاجئين الموريتانيين في السنغال ومالي، ومعالجة الإرث الإنساني وهي إجراءات ستمكننا من طي صفحة الخلافات الماضية لنتفرغ جميعاً لتنمية بلادنا.وعموماً، فإن الحكومة شرعت فور تعيينها بتشخيص الأوضاع القائمة وإعداد إستراتيجيات قطاعية تم دمجها في إستراتيجية شاملة للتنمية، مدعومة ببرنامج طموح للاستثمار العمومي للسنوات 20102008م، تم تقديمها للمجموعة الاستشارية الخاصة بموريتانيا التي التأمت في الفترة من 4 6 ديسمبر الجاري بباريس.وقد عبر جميع المشاركين في الاجتماع عن رضاهم عن المناخ الديمقراطي الجديد في البلاد وعن جودة الوثائق التي عرضت خلال هذا الاجتماع وعن استعدادهم لدعم مسيرتنا التنموية. وقد تمخض هذا اللقاء عن تعبئة 2,1 مليار دولار لصالح بلادنا وهو مبلغ يفوق ب 500 مليون دولار ما كنا نطلبه في البداية، في حين لم يتمكن بعض الممولين من الإفصاح عن المبلغ الذي سيقدمونه نظراً لأمور تتعلق بالبرمجة وهو ما يعني أن المبلغ المذكور آنفاً سيرتفع مستقبلاً وهو ما سيعطينا هامشاً إضافياً لتمويل مشاريع جديدة، نرفع بها سقف طموحاتنا لتلبية حاجاتنا الماسة في مضمار التنمية.وسيمكن تنفيذ المشاريع المبرمجة في إطار إستراتيجيتنا التنموية من تسريع وتيرة النمو الاقتصادي ورفع مستوى دخل المواطنين، وتوفير المزيد من الفرص لمكافحة الفقر والبطالة والمرض والجهل.ولا يسعني هنا إلا أن أتقدم بجزيل الشكر ووافر الامتنان أصالةً عن نفسي ونيابة عن الحكومة والشعب الموريتانيين لكل الذين شاركوا في اجتماع باريس على ما عبروا عنه من دعم ومساندة لموريتانيا في هذا الوقت الحاسم، وأخص بالذكر دولة الكويت (أميراً وحكومةً وشعباً) التي كانت دائماً إلى جانبنا في الأوقات الصعبة وفي المشاريع المفصلية، وكذلك كلاً من: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر والمؤسسات العربية والإسلامية التي حضرت الاجتماع ومن بينها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والبنك الإسلامي للتنمية، والهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي.أعربت المعارضة الموريتانية عن مخاوفها من قيام "حزب السلطة" كيف تلقيتم اعتراضها؟ وهل هنالك من رسائل طمأنة للشعب بأن موريتانيا لن تعود إلى المربع السابق؟نعم.. لقد أبدت المعارضة اعتراضها على مشروع الحزب الذي يجري الإعداد له من قبل بعض قوى الأغلبية بحجة التخوف من تحوله إلى"حزب دولة"، وقد أوضحت بكل صراحة أن حق أية مجموعة من الموريتانيين في تنظيم نفسها في إطار حزب سياسي يتقيد بالقوانين، حق يكفله الدستور وبالتالي لا يوجد وجه شرعي للاعتراض عليه.أما التخوف من كون الحزب المعني سيصبح "حزب الدولة" فقد أكدت أيضاً أن الدولة ستظل على مسافة متساوية من كل الأحزاب السياسية، حيث لا يمكن أن تخص حزباً سياسياً بدعم دون الآخرين إلا في حدود يضبطها القانون، وسأسهر بمقتضى مسؤوليتي على حياد الدولة لتظل في خدمة الجميع، وتتعامل مع الأحزاب كلها انطلاقاً من القوانين.لقاؤكم الأخير بالمعارضة السياسية تم وصفه بأنه سلبي.. ما الأسباب؟ ولم لا تستجيبون ولو لمطلب واحد من مطالبها الستة؟ ولماذا الصدام المبكر مع المعارضة؟أعتقد أن لقاءاتي المتكررة بالمعارضة كانت إيجابية؛ لأنها طبعت بالاحترام والصدق والصراحة، وقد عبرت لها عن استعدادي الدائم للتشاور البناء وتمسكي بالحوار الصريح حول كل القضايا الوطنية. ولا علم لي بتصادم مع المعارضة ولا أرى لذلك سبباً.
كما تعلمون، في كل الديمقراطيات فإن الأغلبية تجتهد في حسن تنفيذ برنامجها الذي نال تزكية الشعب، والمعارضة تعبر عن رأيها بالطرق القانونية سواء في البرلمان أو في إطار نشاطات أحزابها السياسية أو من خلال اللقاءات الدائمة معي، أو مع الحكومة. وتتميز ديمقراطيتنا بأنها منحت للمعارضة وضعا قانونياً ومالياً متميزاً سهرنا على تجسيده واحترامه.
هل حقاً موريتانيا تعاني من ضائقة مالية أم أن الأمر مجرد شائعات مغرضة كما وصفها أحد الوزراء؟
البلاد لا تعاني من ضائقة مالية بل إنها في وضع جيد، حيث لا يتجاوز عجز الميزانية العامة للدولة 1,9% على الرغم من الانخفاض الكبير الذي شهدته عائدات النفط منذ أواخر 2006م، وتقوم الدولة بتمويل بعض الاستثمارات المهمة على مواردها الذاتية في حين تساهم في تغطية تكاليف الاستثمارات الممولة على موارد أجنبية.كما أن تطور المؤشرات المالية المتعلقة بالميزان التجاري وميزان المدفوعات واحتياطي البلاد من العملة الصعبة تبعث على الارتياح.إذن القول إن البلاد تعاني ضائقة مالية شائعة وليس حقيقة. أما ارتفاع الأسعار فليس عائداً لأزمة مالية وإنما لظروف دولية تعلمونها جميعاً، نذكر منها ارتفاع أسعار البترول التي تزيد حالياً على 90 دولاراً، في حين يصل سعر القمح مثلاً إلى حوالي 500 دولار، فضلاً عن ارتفاع اليورو الذي هو أهم عملة نتعامل بها نظراً لأهمية علاقاتنا التجارية مع أوروبا.كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ارتفاع في أسعار بعض المواد الغذائية وخاصة القمح ومشتقاته، وقد قامت الدولة باتخاذ إجراءات من شأنها الحد من تأثير ارتفاع الأسعار على المستوى المعيشي للمواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود.هذا بالنسبة للدولة نفسها، أما بالنسبة لمؤسساتها فقد ورثنا بالفعل وضعاً صعباً تمثل في مديونية كبيرة ووسائل إنتاج محدودة وأعباء معتبرة ونحن بصدد إيجاد حلول لمشاكل هذه الشركات وخاصة منها تلك التي تهم المواطنين في حياتهم اليومية مثل شركتي الكهرباء والماء.
أين ملف اللاجئين؟ وما الذي عرقله، أهي الأموال أم غياب الضمانات السياسية اللازمة لإنهاء ملف معقد كهذا؟ملف اللاجئين على طاولة العمل الحكومي وهو محور تشاور وثيق مع كل الأحزاب وهيئات المجتمع المدني ومع الدول المستضيفة والشركاء الدوليين وفي مقدمتهم المفوضية السامية للاجئين. وقد عقدنا في أواخر شهر نوفمبر ملتقى حاشداً شاركت فيه كل الأطراف المعنية واتفقت على الآليات التنظيمية والإجراءات التنفيذية الأساسية لترتيب عودة اللاجئين ولدمجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لوطنهم. وفي ذلك الإجماع ضمانة مهمة من الناحية السياسية لنجاح العملية.أما التمويل فهو بطبيعة الحال عقبة، بالنظر إلى محدودية مواردنا وإلى حجم التمويل المطلوب، حيث يتطلب تنفيذ برنامج الدمج الذي وضعناه ما لا يقل عن 45 مليون دولار أمريكي؛ لكننا قادرون، بإذن الله، على اجتياز هذه العقبة، ثم بما نحن بصدد رصده من مواردنا الذاتية وبما نتوقعه من دعم الأشقاء والأصدقاء لهذه العملية، ذات التأثير الحيوي على مسار التنمية في وطننا وعلى العلاقات الإقليمية في محيطنا.
كيف تنظرون إلى العلاقات الموريتانية الكويتية حالياً؟ وما آفاق التعاون بين البلدين؟
العلاقات الموريتانية الكويتية علاقات عريقة وممتازة، نسجتها أواصر الدين واللغة والتاريخ والتشابه في العادات، والتحلي بقيم المروءة والشهامة والكرم والإباء، ويسعدني أن أقول لكم: إن لدي معرفة خاصة بدولة الكويت قيادة وشعباً، وأقدر ما لمست فيهما من غيرة ودفاع عن العروبة والإسلام، ومن إيثار للغير، ونصرة لقضايا العدل، وتشبث بقيم التسامح والوسطية.وأوكد لكم أن موريتانيا ماضية قدماً في تعزيز علاقات الأخوة والصداقة مع دولة الكويت الشقيقة. وهذا ما تلاحظونه من خلال تكثيف الزيارات المتبادلة، وتعميق التشاور السياسي بين البلدين.فقد قمت شخصياً بزيارة رسمية إلى الكويت خلال شهر يوليو الماضي، والتقيت خلالها بأخي أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وبكبار معاونيه، وبحثنا أوجه التعاون الثنائي بين موريتانيا ودولة الكويت الشقيقة كافة، ولمست لدى سموه الإرادة الأكيدة على تنمية وتنويع علاقاتنا الأخوية التليدة؛ بما يخدم مصالحنا المشتركة وينسجم وطموحات شعبينا الشقيقين.
كيف يتعامل الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله مع التيار الإسلامى في موريتانيا بعد الترخيص لحزب الإصلاح والتنمية؟ وهل هنالك نوايا لضم الإسلاميين كما يقال للأغلبية الرئاسية؟ أم الأمر مجرد تحييد لهم من المعارضة ليس إلا؟
تم الترخيص لحزب الإصلاح والتنمية ضمن مجموعة من الأحزاب رُخص لها في إطار توجهنا لتوسيع نطاق الحريات العامة والفردية واحترام حقوق الإنسان التي تشكل محوراً ثابتاً في سياستنا، ومنذ الترخيص لهذا الحزب وهو يمارس نشاطه ككل الأحزاب، والتشاور بيننا وبينه موصول كما هو الشأن مع بقية الأحزاب. أما عن إمكانية ضمه للأغلبية الرئاسية في المستقبل، فإن هذه الأغلبية مكونة وفق البرنامج الذي تقدمت به في الانتخابات ونال ثقة الشعب، ويمكن لأي حزب سياسي اقتنع بهذا البرنامج أن ينضم إليها.
هل موريتانيا دولة مهددة بالإرهاب؟ وما الإجراءات التي تتخذونها لمواجهة هذه الظاهرة؟
الإرهاب ظاهرة عالمية لا تعرف الحدود، ونحن في موريتانيا ولله الحمد مجتمع متمسك بقيم الإسلام السمح المعتدل، النابذ للعنف والغلو والتطرف، والمؤمن بالوسطية شرعة ومنهاجاً.إلا أن مسؤوليتنا هي العمل على تجنيب مواطنينا أخطار الإرهاب الوافد الذي لا يعرف الحدود كما قلت.ولدينا في هذا الصدد تنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة، في مجال تبادل المعلومات والتعاون الأمني. ونحن نؤمن بأن محاصرة الإرهاب تتطلب القضاء على جذوره، وتقتضي على نحو خاص التربية السديدة، ونشر قيم ديننا الحنيف، وتجنب الجور، والتزام العدل في الحكم، وتحسين الظروف المعيشية للناس، والعمل من أجل قيام عالم أكثر عدلاً وإنصافاً وأقل حيفاً وإجحافاً، ومن الطبيعي أن يكون علاج من هذا القبيل رهناً بتعاون إقليمي ودولي واسع ندعو إليه ونعمل من أجله.
ما الحلول التى سيقدمها سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله للمشكلات التالية: بطالة الشباب تهميش المرأة الريفية الماء والكهرباء والأزمة المتفاقمة تحدي المخدرات وشبكات التهريب؟
هذه المشاكل وغيرها تحتل الصدارة في اهتماماتنا، وقد أعطيناهامكانتها اللائقة بها في برنامجنا الانتخابي. وهي اليوم تشكل محوراً أساسياً من خطتنا التنموية. إن ترقية المصادر البشرية هي عماد تقدم وازدهار الشعوب، وظاهرة بطالة الشباب المنتشرة في أيامنا هذه مؤسفة للغاية، مما حملنا على استحداث قطاعين وزاريين معنيين بهذه الفئة.كما رفعنا القطاع المكلف بالترقية النسوية من كتابة دولة إلى وزارة، وذلك ضمن إجراءات تهدف إلى إشراك المرأة في الحياة العامة، وتبوئها المنزلة التي تليق بها في مجتمعنا المسلم، حيث إن الله كرم المرأة وأعلى من شأنها وأفسح لها المجال لمزاحمة الرجال في أعمال البر. وتجسيداً لهذه السياسة، تملك المرأة الموريتانية المسلمة اليوم عشرين في المائة من المقاعد المنتخبة، وتحتل مناصب سامية في الحكومة والإدارة الإقليمية،والدبلوماسية، ونحن عازمون، بحول الله،على تعزيز هذه المكاسب حتى نقضي على تهميش المرأة، وخاصة في الريف حيث نقوم بجهود ملحوظة في هذا الاتجاه ترمي أساساً إلى ترقية التجمعات والتعاونيات النسوية المنتجة، وتفعيل دورها التربوي.أما ما يتعلق بأزمة الماء والكهرباء، فإن الولوج إلى هذه الخدمات وغيرها يشكل إحدى أولويات برنامجنا الاقتصادي الذي تقدمنا به لاجتماع الممولين المنعقد مؤخراً في باريس. وقد حصلنا على تعهدات بتمويل هذا البرنامج مما سيمكننا، بحول الله وقوته، من إنجاز مشاريع عديدة في ميدان الماء والكهرباء تمت برمجتها في إطار البرنامج العمومي للاستثمار لفترة 20102008م بغلاف مالي يبلغ ستمائة مليون دولار.
الفيضانات التي حلّت بمنطقة الطينطان ومناطق أخرى أثرت على المخزون الإستراتيجي للدولة، كيف واجهتم هذه الكوارث؟ وهل استطعتم مساعدة المتضررين؟
الفيضانات الخطيرة التي شهدتها مدينة "الطينطان" وبعض المدن الأخرى مؤخراً تجاوزت طاقة البلاد، حيث إن المخزون الإستراتيجي لم يكن كافياً لمواجهة كل هذه الكوارث في آن واحد؛ لكنه مكّن من تقديم المساعدات الأولية في انتظار استيراد المزيد من المواد سواء على مواردنا الذاتية أو من خلال مساعدات الأشقاء والأصدقاء.وقد مكّن التدخل السريع للسلطات العمومية والدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من تفادي الخسائر البشرية ومن عدم تفشي الأمراض والأوبئة التي عادة ما تصاحب هذا النوع من الكوارث، وحتى الآن فإن الدولة توفر بشكل منتظم الغذاء والدواء لحوالي 3000 عائلة تم إيواؤها في مخيم مؤقت في انتظار إعادة بناء مدينة الطينطان، ونحن الآن بصدد إعادة تموين مخزوننا الإستراتيجي تحسباً لأي طارئ. وفي هذا المقام أتوجه بالشكر لكل الذين وقفوا إلى جانبنا في هذا الوقت الحرج والمبكر من حكمنا للبلاد.أعلنتم قبل فوزكم في الانتخابات وبعدها عزمكم طرح العلاقات الموريتانية "الإسرائيلية" على الشعب فلمَ التأخر؟ كل ما أستطيع أن أقوله لكم بهذا الشأن إن التزامنا بقضية الشعب الفلسطيني هو ركن أساسي من أركان سياستنا الوطنية، وأن مستقبل العلاقات المذكورة محكوم بهذا الالتزام، وقد أكدنا هذا الالتزام في مؤتمر أنابوليس الأخير وفي كل المحافل الدولية. ما موقفكم من مشكلة الصحراء الغربية؟ موريتانيا تتابع عن كثب قضية الصحراء الغربية، وتجدد دعمها لمساعي الأمم المتحدة وخصوصاً أمينها العام، الهادفة إلى التوصل إلى حل نهائي يحظى بموافقة جميع الأطراف ويضمن شيوع الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما تعلمون، في كل الديمقراطيات فإن الأغلبية تجتهد في حسن تنفيذ برنامجها الذي نال تزكية الشعب، والمعارضة تعبر عن رأيها بالطرق القانونية سواء في البرلمان أو في إطار نشاطات أحزابها السياسية أو من خلال اللقاءات الدائمة معي، أو مع الحكومة. وتتميز ديمقراطيتنا بأنها منحت للمعارضة وضعا قانونياً ومالياً متميزاً سهرنا على تجسيده واحترامه.
هل حقاً موريتانيا تعاني من ضائقة مالية أم أن الأمر مجرد شائعات مغرضة كما وصفها أحد الوزراء؟
البلاد لا تعاني من ضائقة مالية بل إنها في وضع جيد، حيث لا يتجاوز عجز الميزانية العامة للدولة 1,9% على الرغم من الانخفاض الكبير الذي شهدته عائدات النفط منذ أواخر 2006م، وتقوم الدولة بتمويل بعض الاستثمارات المهمة على مواردها الذاتية في حين تساهم في تغطية تكاليف الاستثمارات الممولة على موارد أجنبية.كما أن تطور المؤشرات المالية المتعلقة بالميزان التجاري وميزان المدفوعات واحتياطي البلاد من العملة الصعبة تبعث على الارتياح.إذن القول إن البلاد تعاني ضائقة مالية شائعة وليس حقيقة. أما ارتفاع الأسعار فليس عائداً لأزمة مالية وإنما لظروف دولية تعلمونها جميعاً، نذكر منها ارتفاع أسعار البترول التي تزيد حالياً على 90 دولاراً، في حين يصل سعر القمح مثلاً إلى حوالي 500 دولار، فضلاً عن ارتفاع اليورو الذي هو أهم عملة نتعامل بها نظراً لأهمية علاقاتنا التجارية مع أوروبا.كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ارتفاع في أسعار بعض المواد الغذائية وخاصة القمح ومشتقاته، وقد قامت الدولة باتخاذ إجراءات من شأنها الحد من تأثير ارتفاع الأسعار على المستوى المعيشي للمواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود.هذا بالنسبة للدولة نفسها، أما بالنسبة لمؤسساتها فقد ورثنا بالفعل وضعاً صعباً تمثل في مديونية كبيرة ووسائل إنتاج محدودة وأعباء معتبرة ونحن بصدد إيجاد حلول لمشاكل هذه الشركات وخاصة منها تلك التي تهم المواطنين في حياتهم اليومية مثل شركتي الكهرباء والماء.
أين ملف اللاجئين؟ وما الذي عرقله، أهي الأموال أم غياب الضمانات السياسية اللازمة لإنهاء ملف معقد كهذا؟ملف اللاجئين على طاولة العمل الحكومي وهو محور تشاور وثيق مع كل الأحزاب وهيئات المجتمع المدني ومع الدول المستضيفة والشركاء الدوليين وفي مقدمتهم المفوضية السامية للاجئين. وقد عقدنا في أواخر شهر نوفمبر ملتقى حاشداً شاركت فيه كل الأطراف المعنية واتفقت على الآليات التنظيمية والإجراءات التنفيذية الأساسية لترتيب عودة اللاجئين ولدمجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لوطنهم. وفي ذلك الإجماع ضمانة مهمة من الناحية السياسية لنجاح العملية.أما التمويل فهو بطبيعة الحال عقبة، بالنظر إلى محدودية مواردنا وإلى حجم التمويل المطلوب، حيث يتطلب تنفيذ برنامج الدمج الذي وضعناه ما لا يقل عن 45 مليون دولار أمريكي؛ لكننا قادرون، بإذن الله، على اجتياز هذه العقبة، ثم بما نحن بصدد رصده من مواردنا الذاتية وبما نتوقعه من دعم الأشقاء والأصدقاء لهذه العملية، ذات التأثير الحيوي على مسار التنمية في وطننا وعلى العلاقات الإقليمية في محيطنا.
كيف تنظرون إلى العلاقات الموريتانية الكويتية حالياً؟ وما آفاق التعاون بين البلدين؟
العلاقات الموريتانية الكويتية علاقات عريقة وممتازة، نسجتها أواصر الدين واللغة والتاريخ والتشابه في العادات، والتحلي بقيم المروءة والشهامة والكرم والإباء، ويسعدني أن أقول لكم: إن لدي معرفة خاصة بدولة الكويت قيادة وشعباً، وأقدر ما لمست فيهما من غيرة ودفاع عن العروبة والإسلام، ومن إيثار للغير، ونصرة لقضايا العدل، وتشبث بقيم التسامح والوسطية.وأوكد لكم أن موريتانيا ماضية قدماً في تعزيز علاقات الأخوة والصداقة مع دولة الكويت الشقيقة. وهذا ما تلاحظونه من خلال تكثيف الزيارات المتبادلة، وتعميق التشاور السياسي بين البلدين.فقد قمت شخصياً بزيارة رسمية إلى الكويت خلال شهر يوليو الماضي، والتقيت خلالها بأخي أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وبكبار معاونيه، وبحثنا أوجه التعاون الثنائي بين موريتانيا ودولة الكويت الشقيقة كافة، ولمست لدى سموه الإرادة الأكيدة على تنمية وتنويع علاقاتنا الأخوية التليدة؛ بما يخدم مصالحنا المشتركة وينسجم وطموحات شعبينا الشقيقين.
كيف يتعامل الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله مع التيار الإسلامى في موريتانيا بعد الترخيص لحزب الإصلاح والتنمية؟ وهل هنالك نوايا لضم الإسلاميين كما يقال للأغلبية الرئاسية؟ أم الأمر مجرد تحييد لهم من المعارضة ليس إلا؟
تم الترخيص لحزب الإصلاح والتنمية ضمن مجموعة من الأحزاب رُخص لها في إطار توجهنا لتوسيع نطاق الحريات العامة والفردية واحترام حقوق الإنسان التي تشكل محوراً ثابتاً في سياستنا، ومنذ الترخيص لهذا الحزب وهو يمارس نشاطه ككل الأحزاب، والتشاور بيننا وبينه موصول كما هو الشأن مع بقية الأحزاب. أما عن إمكانية ضمه للأغلبية الرئاسية في المستقبل، فإن هذه الأغلبية مكونة وفق البرنامج الذي تقدمت به في الانتخابات ونال ثقة الشعب، ويمكن لأي حزب سياسي اقتنع بهذا البرنامج أن ينضم إليها.
هل موريتانيا دولة مهددة بالإرهاب؟ وما الإجراءات التي تتخذونها لمواجهة هذه الظاهرة؟
الإرهاب ظاهرة عالمية لا تعرف الحدود، ونحن في موريتانيا ولله الحمد مجتمع متمسك بقيم الإسلام السمح المعتدل، النابذ للعنف والغلو والتطرف، والمؤمن بالوسطية شرعة ومنهاجاً.إلا أن مسؤوليتنا هي العمل على تجنيب مواطنينا أخطار الإرهاب الوافد الذي لا يعرف الحدود كما قلت.ولدينا في هذا الصدد تنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة، في مجال تبادل المعلومات والتعاون الأمني. ونحن نؤمن بأن محاصرة الإرهاب تتطلب القضاء على جذوره، وتقتضي على نحو خاص التربية السديدة، ونشر قيم ديننا الحنيف، وتجنب الجور، والتزام العدل في الحكم، وتحسين الظروف المعيشية للناس، والعمل من أجل قيام عالم أكثر عدلاً وإنصافاً وأقل حيفاً وإجحافاً، ومن الطبيعي أن يكون علاج من هذا القبيل رهناً بتعاون إقليمي ودولي واسع ندعو إليه ونعمل من أجله.
ما الحلول التى سيقدمها سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله للمشكلات التالية: بطالة الشباب تهميش المرأة الريفية الماء والكهرباء والأزمة المتفاقمة تحدي المخدرات وشبكات التهريب؟
هذه المشاكل وغيرها تحتل الصدارة في اهتماماتنا، وقد أعطيناهامكانتها اللائقة بها في برنامجنا الانتخابي. وهي اليوم تشكل محوراً أساسياً من خطتنا التنموية. إن ترقية المصادر البشرية هي عماد تقدم وازدهار الشعوب، وظاهرة بطالة الشباب المنتشرة في أيامنا هذه مؤسفة للغاية، مما حملنا على استحداث قطاعين وزاريين معنيين بهذه الفئة.كما رفعنا القطاع المكلف بالترقية النسوية من كتابة دولة إلى وزارة، وذلك ضمن إجراءات تهدف إلى إشراك المرأة في الحياة العامة، وتبوئها المنزلة التي تليق بها في مجتمعنا المسلم، حيث إن الله كرم المرأة وأعلى من شأنها وأفسح لها المجال لمزاحمة الرجال في أعمال البر. وتجسيداً لهذه السياسة، تملك المرأة الموريتانية المسلمة اليوم عشرين في المائة من المقاعد المنتخبة، وتحتل مناصب سامية في الحكومة والإدارة الإقليمية،والدبلوماسية، ونحن عازمون، بحول الله،على تعزيز هذه المكاسب حتى نقضي على تهميش المرأة، وخاصة في الريف حيث نقوم بجهود ملحوظة في هذا الاتجاه ترمي أساساً إلى ترقية التجمعات والتعاونيات النسوية المنتجة، وتفعيل دورها التربوي.أما ما يتعلق بأزمة الماء والكهرباء، فإن الولوج إلى هذه الخدمات وغيرها يشكل إحدى أولويات برنامجنا الاقتصادي الذي تقدمنا به لاجتماع الممولين المنعقد مؤخراً في باريس. وقد حصلنا على تعهدات بتمويل هذا البرنامج مما سيمكننا، بحول الله وقوته، من إنجاز مشاريع عديدة في ميدان الماء والكهرباء تمت برمجتها في إطار البرنامج العمومي للاستثمار لفترة 20102008م بغلاف مالي يبلغ ستمائة مليون دولار.
الفيضانات التي حلّت بمنطقة الطينطان ومناطق أخرى أثرت على المخزون الإستراتيجي للدولة، كيف واجهتم هذه الكوارث؟ وهل استطعتم مساعدة المتضررين؟
الفيضانات الخطيرة التي شهدتها مدينة "الطينطان" وبعض المدن الأخرى مؤخراً تجاوزت طاقة البلاد، حيث إن المخزون الإستراتيجي لم يكن كافياً لمواجهة كل هذه الكوارث في آن واحد؛ لكنه مكّن من تقديم المساعدات الأولية في انتظار استيراد المزيد من المواد سواء على مواردنا الذاتية أو من خلال مساعدات الأشقاء والأصدقاء.وقد مكّن التدخل السريع للسلطات العمومية والدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من تفادي الخسائر البشرية ومن عدم تفشي الأمراض والأوبئة التي عادة ما تصاحب هذا النوع من الكوارث، وحتى الآن فإن الدولة توفر بشكل منتظم الغذاء والدواء لحوالي 3000 عائلة تم إيواؤها في مخيم مؤقت في انتظار إعادة بناء مدينة الطينطان، ونحن الآن بصدد إعادة تموين مخزوننا الإستراتيجي تحسباً لأي طارئ. وفي هذا المقام أتوجه بالشكر لكل الذين وقفوا إلى جانبنا في هذا الوقت الحرج والمبكر من حكمنا للبلاد.أعلنتم قبل فوزكم في الانتخابات وبعدها عزمكم طرح العلاقات الموريتانية "الإسرائيلية" على الشعب فلمَ التأخر؟ كل ما أستطيع أن أقوله لكم بهذا الشأن إن التزامنا بقضية الشعب الفلسطيني هو ركن أساسي من أركان سياستنا الوطنية، وأن مستقبل العلاقات المذكورة محكوم بهذا الالتزام، وقد أكدنا هذا الالتزام في مؤتمر أنابوليس الأخير وفي كل المحافل الدولية. ما موقفكم من مشكلة الصحراء الغربية؟ موريتانيا تتابع عن كثب قضية الصحراء الغربية، وتجدد دعمها لمساعي الأمم المتحدة وخصوصاً أمينها العام، الهادفة إلى التوصل إلى حل نهائي يحظى بموافقة جميع الأطراف ويضمن شيوع الأمن والاستقرار في المنطقة.
المقابلة منشورة فى مجلة المجتمع الكويتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق