سيد أحمد ولد باب / نواكشوط
موريتانيا: انقلاب قصر أم ثورة إنقاذ؟
سيد أحمد ولد باب / نواكشوط
لم يعش النظام الموريتاني - على مدار العشرين سنة الماضية من حكمه- مثلما عاش في السنتين المنصرمتين من الفوضى وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، ما جعل الكثير من المشفقين على البلد وأمنه يدقون ناقوس الخطر، ويطلقون صيحات الإنقاذ مخافة أن ينجرف أمن البلد نحو هاوية سحيقة لا ينهض بعدها أبدا.
ولم يكن أي أحد قبل محاولة الثامن يوينو 2003 يعلق كثيرا من الأمل على العسكر رغم تعثر المشروع السياسي بعد أن باتت الأحزاب السياسية عاجزة عن الحركة بفعل الحل والمضايقة والمنع وتهميش الفاعلين السياسيين.
في فجر الأربعاء 3 أغسطس 2005 تحركت وحدات من الحرس الرئاسي وقيادة أركان الجيش لتضع حدا لنظام الرئيس الموريتاني وتعلن فتح صفحة جديدة من تاريخ البلاد بينما كانت طائرة ولد الطايع في مطار انيامى للتزود بالوقود قادمة من الرياض بعد زيارة للعربية السعودية استمرت يومين.
- ومع ساعات الصباح الأولى نزل سكان العاصمة إلى الشوارع تعبيرا عن فرحتهم برحيل نظام ديكتاتوري جثم على صدور الموريتانيين طيلة عقدين، بينما سيطرت وحدات الأمن التابعة للانقلابيين على الرئاسة وقيادة أركان الجيش والدرك والحرس والتلفزيون ومبنى الإذاعة، وأغلقت المطار أمام الرحلات الجوية بعد اعتقال أغلب الضباط الموالين للرئيس المخلوع.
ارتياح شعبي وتحفظ دولي
فور إعلان المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية سيطرته على مقاليد الحكم، شهدت العاصمة ومدن الداخل مسيرات تأييد واسعة ليس حبا في العسكريين الجدد ولكن تعبيرا عن الفرحة بسقوط نظام عانى تحته الشعب من وطأة الفقر والظلم الكثير.
وعبرت أغلب القوى السياسية في البلاد عن فرحتها بالتغيير الذي حصل داعية العسكريين إلى احترام الشعارات التي رفعوها والى إعادة الحكم للمدنيين في أسرع وقت ممكن بعد تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة يشارك فيها الجميع.
وعبر التيار الإسلامي الذي عانى كثيرا من حكم العقيد ولد الطايع عن ترحيبه بتغيير نظام الحكم في البلاد مطالبا>بوضع الترتيبات الضرورية لعودة الحياة الدستورية إلى البلاد بشكل يصون الحريات الفردية والجماعية ويؤدي إلى التئام الشمل وطي صفحات الماضي المؤلمة وتجنيب البلاد ويلات الاضطراب والقلاقل والفتن الداخلية<. وهو الموقف نفسه الذي اتخذته أحزاب المعارضة الرئيسة في البلاد كتكتل القوى الديمقراطية والتحالف الشعبي واتحاد قوى التقدم، ناهيك عن قادة تنظيم فرسان التغيير العسكري المعارض الذين عدوا الخطوة تتويجا لثلاث محاولات انقلابية قادها التنظيم خلال السنتين الماضيتين مؤكدين اتفاقهم في المبادىء مع قادة الانقلاب الجديد.
بينما تباينت ردود الفعل الدولية مابين متحفظ على الانقلاب العسكري ومابين قلق بشأن التطورات التي قد تشهدها البلاد في ظل الحكم الجديد. الموقف الأكثر تشددا جاء من حليفة ولد الطايع الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبت بإرجاعه إلى الحكم وأكدت رفضها للوصول إلى السلطة عن طريق انقلاب على الشرعية الدستورية حسب ما جاء في تصريح للخارجية بعد ساعات قليلة من إعلان العسكريين لنجاح الانقلاب. ثم ما لبثت أن رضيت بالأمر الواقع. أما ولد الطايع فقد قال في أول تصريح له بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح به إنه فوجئ بحدوث الانقلاب عليه وإن دهشته كانت أكبر عندما علم بهوية منفذيه. ووصف من مكان إقامته الحالية في النيجر الانقلاب الذي أطاح به من رئاسة موريتانيا بأنه الأكثر حماقة ومأساوية في أفريقياعلى الإطلاق. ودافع ولد الطايع في تصريح لبعض وسائل الإعلام عن فترة رئاسته للبلاد التي امتدت نحو 21 عاما وقال إنها هيأت مستقبلا واعدا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأشار إلى أن موريتانيا كانت خلال فترة حكمه دولة مسالمة ذات نظام ديمقراطي تعددي حسب زعمه، داعيا الجيش إلى إعادة الأمور إلى نصابه الطبيعي، مؤكدا قرب عودته إلى البلاد!!
غير أن التطورات التي شهدت البلاد بعد حكم العسكريين ولدت ارتياحا عاما لدى الشارع الموريتاني وبعض المراقبين الدوليين وخصوصا دول الجوار. حيث أعلن المجلس العسكري في أول لقاء له مع قادة أحزاب المعارضة الإبقاء على بنود الدستور الخاصة بالإسلام والحريات العامة والفردية والصحافة والأحزاب والنقابات، وأصدر ميثاقا دستوريا يكمل ويحدد ترتيبات دستور العشرين يوليو 1991 كما حل البرلمان، وتعهد بإجراء انتخابات عامة وشفافة في أقل من سنتين لا يكون المجلس العسكري طرفا فيها، وتشرف عليها لجنة مستقلة معينة بالتوافق بين الأحزاب السياسية في البلاد.
كما أشفع إعلان المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بإطلاق سراح عشرات المعتقلين الإسلاميين في السجون الموريتانية من أبرزهم الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي كان يعاني من آلاماً حادة داخل السجن منذ ثلاثة أشهر من الاعتقال، متعهدا في الوقت ذاته بتسوية ملف العسكريين المعتقلين بتهمة قيادة ثلاث محاولات انقلابية على الرئيس الموريتاني المخلوع بزعامة الرائد صالح ولد حننا والذي كان يقضي عقوبة السجن المؤبد مع 32 من العسكريين. تحديات تواجه الانقلابيين بات في شبه المؤكد أن الأوضاع في موريتانيا استقرت لصالح المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وأن نظام العقيد ولد الطايع قد ولى إلى غير رجعة بعد 20 سنة من القهر والكبت والتطبيع والعمل على اجتثاث جذور التدين ومحاربة الإسلاميين.
غير أن قادة البلاد الجدد سيواجهون بدون شك عراقيل جمة ومشكلات عديدة وتركة ليست بالبسيطة تحتاج إلى الكثير من الجهد في ظل ضغوط دولية صعبة؛ فهل سينجح هؤلاء في حل مشكلات موريتانيا كما نجحوا في القضاء على ولد الطايع؟!
ففي المجال الاقتصادى تعاني البلاد ويلات الجفاف نتيجة انتشار الجراد، كما ترتفع نسبة الفقر والأمية بين السكان ارتفاعاً ملحوظاً ناهيك عن المديونية الخارجية وانتشار الرشوة والفساد الإداري وسوء التسيير.
- وعلى الصعيد السياسي ورث القادة الجدد تركة صعبة، فعلى مدى العقدين الماضين شهدت البلاد العديد من الاضطرابات السياسية، أحزاب تحل وانتخابات تزور وصحف تصادر ولعل كان آخرها الأزمة بين الإسلاميين والنظام والتي لا تزال جذورها إلى اليوم. فالمعاهد الإسلامية مغلقة والكتاتيب محاصرة والدعوة في المساجد ممنوعة والمؤسسات الخيرية مغلقة والأمن تحول إلى سيف مصلت على رقاب العلماء وأئمة المساجد والخيرين.
- أما على المستوى الدولي فاضطراب العلاقات الخارجية والأزمات المتكررة مع الجيران والعلاقة مع الكيان الصهيوني كلها أمور تؤرق المواطن الموريتاني.. فهل يستطيع القادة الجدد رفع التحدي وحل مشاكل الشعب؟.. الكل يأمل ذلك والأيام القادمة قد تكشف المزيد..
(*) مقال منشور فى مجلة الفرقان بعد انقلاب 2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق