سيد أحمد ولد باب ، نواكشوط
أخيرا اتضح المشهد وحسمت أوراق اللعبة وقرر الطرفان المواجهة في مشهد يعيد للأذهان "هيبة العسكر" ويعطى للبرلمان دوره المغيب ويجعل الرئيس والحكومة ووزراء الأزمة أمام الامتحان الصعب ..جنرالات مغامرون ونواب غاضبون ماضون في إسقاط الحكومة ورئيس منتخب "ثابت" على موقفه لن يتنازل عن وزراء يتهمون بالفساد "ساقطون" شعبيا ولو كان ذلك على حساب الديمقراطية والأمن والوطن إنها الحالة الموريتانية التى غنى لها الجميع وتراقص لها السياسيون زمنا طويلا قبل أن ينقشع الغبار ليتضح فعلا كم كان ولد الشيخ عبد الله رهين المحبسين "المستقلين والعسكر" وكم ضاعت أحلام الرجال حينما صدقوا أن البلاد خلفت ورائها عهود الظلام تحت قبعات الجيش.سياق الأزمة ومظاهر الصراع لم تكن الصور التى ألتقطها المصورون للجنرالين محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزوانى وهما يدلفان إلى مكتب الوزير الأول المكلف مجرد صور عابرة بل كانت لحظات حاسمة في تاريخ موريتانيا ما بعد "التغيير" إنها لحظات اعتراض ونصيحة للوزير القادم من دهاليز مؤسسات السلطة المفلسة وتحذير للرئيس المنتخب من مغبة إشراك رموز طالما تعهد سيدي ولد الشيخ عبد الله نفسه للعسكريين والنواب المستقلين بعدم إشراكهم في اللعبة السياسية(*).لكن الرئيس المفعم بالحماس بفعل سنة من الانجاز- قال إنها لم تستثمر لدى صانعي الإعلام في موريتانيا- قرر مواجهة الجنرالين تحت تأثير الضغط النفسي الناجم عن اتهام المعارضة دوما له بالارتهان للجيش الذي أوصله للسلطة ولو بأصوات الموريتانيين.مررت الحكومة وأبقى على وزيرين "رشوة للعسكر" في التشكلة الوزارية الجديدة وراهن "سيدي" على مروءة رفيقيه وتبدد غيوم الفرقة مع الأيام عل الأمور تهدأ والمشهد القادم يقنع منتقديه أنه فعلا هو الرئيس الحاكم باسم الله والشعب لكن هل كان ولد الشيخ عبد الله مصيبا في توقعاته؟ .كانت الأسابيع الأولى للوزير المكلف السيد يحي ولد أحمد الواقف كفيلة بإسقاط الحكومة شعبيا من خلال حملات إعلامية ساعدت فيها الوجوه القادمة وراء الثالث من أغشت 2005 وأججتها مظاهر التأزم الناجمة عن ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء وانعدام الأمن وتردى الحياة السياسية بعدما خابت آمال الحالمين بفجر جديد بعد سنوات من الظلام الذي عاد صناعه.تعهد الرئيس بتثبيت أسعار الأرز فواصل الأرز ارتفاعه ،ولم تقنع تعهدات الرئيس جياع الداخل ولا عطاش العاصمة ،وفشلت حملات تنظيف الأسواق من صغار التجار بعدما أججت مشاعر الكراهية بين السكان ،وحققت جرائم القتل والاغتصاب والمخدرات رقما قياسيا في ظل أمن يترنح بين التحديات الناجمة عن ظهور خلايا مسلحة للسلفيين واكراهات واقع تجعل اعتقال صغار اللصوص في ظل تعيين الكبار إخلالا بالمروءة وشططا في استعمال السلطة فكانت اجتهادات الجهاز الأمني موفقة بحمد الله "إن العام عام رمادة ولا مكان فيه للحدود !؟كبتت الحريات ،فأغلق صوت المواطنة ،واستدعيت "القلم" و"البديل الثالث" واعتقل مدير "الحرية" وسخرت وسائل إعلام رسمية للسخرية من قوانين الجمهورية وشريحة كبيرة من السكان "الأصليين" فكانت إبداعات البداع (8 آلاف ولد بونه).سيطر الخوف على السكان بعد أن اجتاحت العاصمة موجة طالت ربات الخدور في بيوتهن والشيوخ السجد (*2) ، وتطاول ليل العائدين بعد أن هد الجوع أركان "بيوت" حلم ذووها يوما ما بعودة كريمة إلى وطن تعهد "الممسكون" بزمامه بتوفير المسكن والغذاء والأمن للعائدين من سنوات الاغتراب والجوع والتشريد عن الدار والأهل حتى تاقت أعناق آخرين لفردوس العودة فكادت هجرات جديدة تسجل طمعا في ما تعهدت وكالة دمج اللاجئين العائدين بتوفيره قبل أن يتبدد الحلم ويتحول الأمل إلى سراب والعودة إلى مأساة يصعب الحديث عنها في مثل هذا المقام.تجددت الأزمات مع الجيران فاحتجز الوزير الأول في مطار الجزائر لساعتين وأعتذر رئيس الجمعية عن تصريح هنا وفهم هنالك ،واجل الملك الجار زيارته بعد أن تحددت وأهدمت متاجر السكان في سبيلها في مشهد لم تستوعبه حتى جرافات المجموعة الحضرية المؤجرة ،وتشاغل الرئيس ومستشاروه بزيارة البلدان الغربية والإفريقية وهى رحلات قال أحد الصحفيين المرافقين للرئيس في إحداها إن أهم فوائدها هو شراء الوفد "للمكرونا" بأسعار العالم لا بأسعار شنقيط.تناسى الجميع قضية فلسطين بعد أن تولى "حمائم السلام" أهم وزارات الدولة السيادية وفهم "الإسرائيليون" اللعبة سريعا فحضر "بوعز بوسميث" حفل السينمائيين من دون توجيه دعوة إليه، انه من ضمن الجماهير الموريتانية المدعوة للاحتفال مجانا على أقل تقدير !!.في ظل مشهد متأزم كهذا عاود العسكريون إطلالتهم المعهودة وبدأ استدعاء النواب لكن هذه المرة ليس للضغط عليهم من أجل دعم المرشح ولد الشيخ عبد الله بل لصياغة رؤية سياسية مشتركة تمهد للمرحلة المعروفة بما بعد ولد الواقف .نجح العسكريون في التكتم على "المشروع" السياسي الجديد ووافق شن طبقه في ظل إقصاء رموز الكتل الداعمة للرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وإشراك آخرين أقل ما يقال عنهم أنهم عوقبوا في ظل انتخابات برلمانية نزيهة من قبل العارفين بهم .تأجلت جلسات الجمعية الوطنية أو أجلت ،وانشغل مجلس الشيوخ بالحدود البحرية مع جزر الرأس الأخضر (3*) وظهرت بوادر الصراع داخل القصر بين سيدته الجديدة وصانع مجد الثالث من أغشت 2005 كما يحلوا للبعض أن يسميه الجنرال ولد عبد العزيز .وبغض النظر عن صحة الإساءة التى تعرض لها الجنرال من الأمين العام للرئاسة قبل أسابيع أو انزعاجه من حفل جماعي لم يستشر فيه أو تمرير الرسائل في ظل غيابه دون إبلاغه فإن الخلاف بين الرئيس المنتخب والجنرال النافذ بلغ أوجه ولم تنفع فيه وساطة الأصدقاء بفعل تحريض المقربين -كما يقال- وبعض المستوزرين الجدد في مشهد مثير للاهتمام.ويقول العارفون بدهاليز اللعبة السياسية في موريتانيا إن العلاقة بين الطرفين وصلت إلى طريق مسدود رغم نفى ولد الشيخ عبد الله لحلفائه في الأغلبية وجود أي خلاف بينه وبين الضباط المذكورين وإصرار ولد الواقف على أن الأمور تحت السيطرة وأن الخلاف الدائر بينه وبين بعض المستاءين من حزبه وأن الأمور في طريقها إلى الحل وهو مالم تسعفه تطورات الوضع المتلاحقة.خيارات الرئيس وقناعة الجنرال!في ظل دولة كموريتانيا ودستور كدستورها يملك الرئيس الكثير من الأوراق بحكمه موقعه وصلاحياته الواسعة والشرعية الناجمة عن أي انتخابات شفافة ونزيهة والدعم الخارجي الذي يحظى به عادة حكام العالم الثالث غير المشاكسين.وتحديدا يمتلك الرئيس تعديل الحكومة الحالية قبل عرضها على البرلمان وبعده وإسقاطها من خلال تكليف رئيس وزراء جديد،كما يمتلك الحق في حل البرلمان والدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة ،ويعطيه الدستور حق إقالة الضباط وتعيينهم بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة بل وحتى حل الوحدات العسكرية واستبدالها لكن فعليا هل يمتلك ولد الشيخ عبد الله كل ذلك.أحوال السياسية قلب كما يقال والكرسي نافذ والقرارات ممكنة لكن كيف ستكون العواقب ؟ وهل سيضمن ولد الشيخ عبد الله انتخاب برلمان موال للرئيس ووزراء الأزمة في ظل وضع اقتصادي متدهور وأغلبية مغاضبة وحلفاء مترددين ومعارضة تتربص به الدوائر ، وتعتبر نفسها اليوم في أحسن الأحوال بعد فراق الرئيس وحزبه ،وهل يستطيع فعلا ولد الشيخ عبد الله إقالة الجنرالين بعد أن سمح لهما بإعادة ترتيب أوراق المؤسسة العسكرية طيلة عام وفق الرؤى والتصورات التى خططا لها عن ذكاء ؟ ومن سينفذ أمر الرئيس في ظل تأكيد أكثر من طرف على أن الحرس الرئاسي هو ذاته الذي قاد انقلاب الثالث من أغشت 2006 على الرئيس المنتخب معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع وفى ظل جيش يقوده ضباط آخرون (*4) فكيف سيكون الحال اليوم وقد أحكم الجنرالان قبضتهما على الجيش ووحداته الداخلية ودفعا بقائد لمخابرات الجيش يعتبر نفسه أول ضحايا ملف الزنوج الذي فتحه الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله؟ وحدها الوقائع قد تجيب المتسائلين؟-
--------------------------------------
(*1)تعهد سيدي للنواب بعدم إشراك أي من الوزراء السابقين المتهمين بالفساد أو النواب المنتخبين في أي تشكلة وزارية ينوى إبرامها أيام تعيين الوزير الأول السيد الزين ولد زيدان).(*2) الجرائم التى سجلت خلال الفترة الماضية كان من بين ضحاياها شيوخ يضربون وهم أثناء الصلاة (عرفات)(*3) القانون الوحيد الذي أجازه البرلمان خلال الدورة الجارية التى أشرفت على الانتهاء كان يتعلق بالحدود البحرية مع جزر الرأس الأخضر وقد تم إقراره من قبل مجلس الشيوخ(4*) تم انقلاب 2005 في ظل رئيس أركان غير موال للانقلابيين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق