الخميس، ١٦ أكتوبر ٢٠٠٨

"المحاظر" حافظت على هوية الشعب في مواجهة الاستعمار الفرنسي


الشيخ أكناته ولد النقرة إمام جامع الهدى بنواكشوط للمجتمع:
"المحاظر" حافظت على هوية الشعب في مواجهة الاستعمار الفرنسي
نواكشوط: سيد أحمد ولد باب
تستقبل المبتدئ كما تستقبل العالم، من جميع المستويات الثقافية والفات العمرية والاجتماعية، تجدد لهم معارفهم وتوسعها وتعمقها، تبذل لكل طالب ما يريده من المعارف، إنها المحاظر(الكتاتيب) التي عاشت طيلة القرون الماضية في صحراء موريتانيا.ولعظم الدور التربوي والتعليمي للمحظرة التقت (المجتمع) الشيخ أكناته ولد النقرة، إمام جامع الهدى بمقاطعة ((دار النعيم)) وعضو رابطة الأئمة والمساجد في موريتانيا وأحد نشطاء التيار الإسلامي المهتمين بالقطاع التربوي، الذي استعرض تاريخ المحاظر في موريتانيا وواقعها وتحديات تطورها...
نريد إلقاء الضوء على "المحظرة" وماذا بقي منها بعد أربعة عقود من الاستقلال؟

المحظرة كما يعرفها الباحث الموريتاني "الخليل النحوي" هي مؤسسة من مؤسسات التربية العربية الإسلامية الأصيلة تحمل بعض خصائص وسمات النظام التربوي الذي نشأ وازدهر في أحضان مدن الثغور وحواضر الخلافة.

وتعتمد المحاظر على الطريقة التلقينية التي تشترك فيها مع مؤسسات التعليم الإسلامي الأهلية القديمة، هذا فضلاً عن كون المحظرة مؤسسة تعليمية مفتوحة لطلاب العلم من مختلف المشارب والأعمار والمستويات الثقافية والاجتماعية، ورغم نشأتها البدوية واعتمادها على التلقين كمنهج تربوي، إلا أن ذلك لم يؤثر في حقيقة كونها جامعة تقدم للطالب معارف موسوعية في مختلف فنون المعرفة الموروثة.ومع توالي موجات الجفاف والتصحر التي عرفتها البلاد في العقود الماضية ونزوح الكثير من سكان الأرياف والبدو نحو الحواضر تأثرت المحاظر هي الأخرى بالتغيرات الطبيعية والبشرية، فاندثر البعض بصورة كاملة وضعف عطاء البعض الآخر، وبقيت نحو 17 محظرة صامدة تدفع بما أوتيت من قوة في وجه التحديات والتطورات المجتمعية المتلاحقة.


ما أهم المواد التي تدرس في المحظرة ؟ وطريقة تدريسها؟


تشمل بالإضافة إلى القرآن وعلوم الأصول والفقه والعقائد والنحو والبلاغة والمنطق وأشعار العرب وأيامها.. بعض الأصول الفقهية حيث كانوا يدرسون "الورقات" لإمام الحرمين الجويني والتي نظمها شعراً العالم الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيد المختار الكنتي، ليكتفوا لاحقًا بمؤلف العلامة المجتهد الشيخ سيد عبد الله ولد الحاج إبراهيم في الأصول المسمى "مراقي الصعود".


وأما طرق التدريس المحظرية فيصفها صاحب "الوسيط في تراجم أدباء شنقيط" أحمد بن محمد الأمين بقوله: "لا ضابط للهيئة التي يلقي عليها الأستاذ دروسه، فتراه مرة يدرس ماشياً مسرعاً ومرة جالساً في بيته ومرة في المسجد ومنهم من يدرس في أثناء الترحال من جهة إلى أخرى؛ سواء كان راجلاً أو راكباً، وقد يكون راكباً والطلبة يمشون على أقدامهم وهكذا!!".

وماذا تمثل المحاظر من قيمة حضارية للموريتانيين؟


لقد بلغ شغف الشناقطة بالعلم وولعهم بالمعرفة أن ذللوا صعوبات العيش في البيداء، ليوجدوا نمطهم التعليمي المسمى بالمحاظر. وإذا كانت البادية ربيبة الجهل والتخلف ونقيض الحضارة والمدنية، فإن ظاهرة "المحظرة" الموريتانية التي نشأت في أحضان مجتمع بدوي، وعرفت ازدهاراً ضاهت مؤسسات إسلامية ثقافية عريقة مثل جامع الأزهر والقرويين، وهي برهان ساطع على نسبية الأحكام.


وماذا عن الأدوار الثقافية والاجتماعية للمحاظر داخل المجتمع الموريتاني؟


لقد لعبت المحاظر دوراً حاسماً في مواجهة مخططات المستعمر الفرنسي الرامية إلى طمس الهوية الحضارية لأبناء هذا البلد المسلم ومحاولات اختراقه من قبل عيونه من المبشرين والمنصرين، الذين أرسلهم مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، أمثال "بول مارتي ديني كي" المعروف محلياً ب"ولد كيجه" النصراني، الذي تظاهر باعتناق الإسلام ومكث بعض الوقت ليتفقه في الدين على أيدي بعض شيوخ المحاظر الموريتانية، ثم قاده السياسيون العسكريون لاحقاً من أمثال "إيفون رازاك"، و"كزافي كبولاني"، وهذا ما أدركه شيوخ المحاظر الموريتانية مبكراً، فحرموا على كثير من الفتيان الالتحاق بالمدارس النظامية التي أنشأها الاستعمار ووضع مناهجها وتابع تطبيقها، حيث كانت لغته الفرنسية "لغة التدريس" لأغلبية المواد الدراسية.

وعلى المستوى السياسي.. ماذا قدمت "المحاظر" للشارع الموريتاني؟


بجانب دورها التعليمي والتربوي قامت المحظرة بدور التثقيف السياسي والتفاعل مع واقع الحياة الموريتانية ومستجداتها، وغرست في عموم الشعب الروح الوطنية المنضبطة بقيم الإسلام وتعاليم القرآن، وقد استفاد التيار الإسلامي بتشكيلاته المختلفة من ذلك الدور، وكانت المحاظر بمثابة الحديقة الخلفية بالنسبة للتيار الإسلامي في موريتانيا منذ بداياته الأولى، وخاصة تيار الإخوان المسلمين الذي تميز خطابه وخطه الفكري بالوسطية والاعتدال الفكري.


وكرد للجميل حاول تيار الوسطية والاعتدال تطوير تلك "المحاظر" ومدها بوسائل تعليمية حديثة، إلا أن المحن والضغوط الحكومية والاعتقالات المتوالية وحملات التضييق الإعلامي ضدهم منذ منتصف التسعينيات وحتى انقلاب الثالث من أغسطس 2005م، مما أنهك هذا التيار وجره إلى معارك جانبية فرعية حالت دون إنجاز ما سعى إليه من تطوير وتفعيل دور المحاظر. كيف ترى التحديات التي تواجه المحاظر التربوية الآن؟


أهم تلك التحديات يتمثل في المنافسة الحادة التي تقوم بها المدرسة النظامية على الناشئة، إضافة إلى غياب الدعم الحكومي المطلوب للمحاظر والقائمين عليها، وعدم الاعتراف الرسمي بالشهادات (الإجازات) التي يمنحها شيوخ المحاظر لطلبتهم المتخرجين، ولعل الأمر الأخطر من ذلك عجز سوق العمالة المحلي عن استيعاب خريجي المحاظر مقارنة بخريجي المدارس النظامية.

ولعل ما يؤرق الشارع الثقافي الذي يعتبر المحاظر نواة المدنية والحضارة الموريتانية، الضغوط الخارجية الهائلة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب باتجاه تفكيك وإغلاق المحاظر وما على شاكلتها من معاهد دينية باعتبارها محاضن لأفكار ما يسمى ب"الإرهاب" والتحريض على الكراهية.

ليست هناك تعليقات:

سيد أحمد ولد باب ،موريتانيا

سيد أحمد ولد باب ،موريتانيا

أرشيف المدونة الإلكترونية