
أثار إعلان السلطات الموريتانية القيام بعملية عسكرية خاطفة شمال جمهورية مالي العديد من الأسئلة حول حقيقة ماجري وانعكاساته علي العلاقة بين دول الجوار والرهائن الغربيين لدي تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي.
ورغم أن نواكشوط بدت سعيدة – علي لسان وزير الإعلام حمدي ولد المحجوب – بما حققته القوات المسلحة من خلال أولي عملياتها الهجومية ضد التنظيم بعد سنوات من الخسائر المتتالية للجيش فإن العديد من الأسئلة ما يزال يحتاج إلي توضيح من قبل الرسميين؟.
فالعملية التي تزامت مع إلغاء الرئيس الموريتاني سفريه المبرمجين سابقا إلي "أنجامينا" و"كمبالا" دون سابق إنذار أثارت العديد من اللغط خارج الأروقة الرسمية ،خصوصا وأن الرجل عائد للتو من العاصمة الفرنسية باريس مع وزير دفاعه حمادي ولد حمادي بعيد حضورهما احتفالات فرنسا الجريحة بغياب مواطنها "جيرمانو" وما صاحب ذلك من جدل داخلي حول قدرة الرئيس المضيف نيكولا ساركوزي علي ضمان سلامة رعاياه.
السلطات الموريتانية لا تزال ترفض علنا علي الأقل ربط العملية بتحرير الرهينة الفرنسي "جيرمانو" الضائع في صحراء مالي ، لكنها بدت عاجزة عن الرد علي العديد من الأسئلة المتعلقة بتأخير الحديث عما وقع علي حدودها الشرقية مع مالي إلي غاية الجمعة ورفض كبار القادة العسكريين تأكيد المعلومات التي تداولتها الأوساط الفرنسية والأسبانية مساء الخميس 22-7-2010 بشأن أهداف العملية ونتائجها والتداعيات التي أحدثتها في أوساط المعنيين بملف الرهائن الغربيين لدي القاعدة.
الصحف الأسبانية كانت حاسمة في تناولها للقضية معلنة فشل الفرنسيين في تحرير رهينتهم المختطف بعيد عملية سريعة علي الأراضي المالية استغلت فيها عناصر عسكرية تابعة للجيش الموريتاني.
ولم تنس الصحف الأسبانية أن تنقل مخاوف الحكومة الأسبانية من تأثيرات العملية المحتملة علي الرهائن المحتجزين لدي التنظيم منذ سبعة أشهر بعيد اختطافهم علي الأراضي الموريتانية.
ارتياح وزير الإعلام داخل المؤتمر الصحفي بوزارة الداخلية وحديثه المستفيض عن عملية استباقية حمل الكثير من الأسئلة المثيرة وكلها تتعلق تقريبا بالتفاصيل التي أعلنها بنفسه أمام الصحفيين.
فالقتلى ستة من أعضاء التنظيم دون ذكر للأسماء أو حديث عن مكان الجثث رغم استحالة حمل أربعة فارين (بينهم جريج) لجثث رفاقهم تحت ألسنة النيران المفترضة من بنادق العسكريين في عملية هي الأولي للجيش خارج الحدود.
كما أن عدد الأشخاص (عشرة إرهابيين) كان محدودا بالمقارنة إلي الهدف المنشود (الهجوم علي الوحدة العسكرية المتمركزة عند مدينة باسكنو) رغم تواجد المئات من الجنود الموريتانيين بالمنطقة ووجود وحدات أخري قريبة قادرة علي الإسناد في أي لحظة ،ناهيك عن قرب التاريخ المحدد للعملية المفترضة (28 يوليو 2010) وهو ما لا يسمح بحشد المزيد من الرجال والعتاد في منطقة صحراوية مكشوفة ومراقبة بدقة من قبل جيوش المنطقة وقادة الأجهزة الإستخباراتية العاملين في الميدان.
كما أن كميات الذخيرة المصادرة من الإرهابيين تم إعدامها بمكان الحادث (كما تقول الحكومة)،بينما تم ضبط وثائق ومستندات كانت بحوزة "الإرهابيين أثناء تحضيرهم للعملية وهو ما يعني وجود حالة من الاستقرار تنعدم في مثل هذه العمليات إذ من المستبعد حمل الوثائق إلي ساحة المواجهة لكن من المستساغ وجودها لدي احدي النقاط الثابتة للتنظيم داخل صحراء مالي أو لدي بعض المتعاملين معه من أبناء المنطقة.
وعلي الطرف الآخر تبدو الرواية المتعلقة بتحرير "جيرمانو" أكثر واقعية من خلال العديد من المعطيات المتوفرة علي الأرض.
فالجنود الفرنسيون عبروا مدينة النعمة قبل ثلاثين يوما تقريبا في آليات عسكرية خفيفة باتجاه الحدود الشرقية لموريتانيا،والقوات المكلفة بمحاربة الإرهاب أجرت تمرينات مكثفة خلال الأسابيع الماضية استعدادا لحدث ما لم يعلن عنه حتى الآن.
كما أن الجيش الموريتاني مهد للعملية بعمليتين نوعيتين كانت الأولي حينما عبر عناصر من الجيش الأراضي المالية إلي مناطق تواجد "الأزواديين" لاعتقال عمر الصحراوي أثناء حفل زفافه بعيد رصد تحركاته من قبل ثلاثة علي الأقل من المدنيين كلفتهم الجهات الأمنية بالملف لعلاقاتهم الاجتماعية بالمنطقة.
وقد تكللت العملية بالنجاح بعيد اعتقال المطلوب أثناء غفلة من معاونيه المفترضين ونقله إلي الأراضي الموريتانية ضمن قافلة من السيارات عن طريق الممر الرابط بين "لفود" و"القلاوية" قبل أن ينتهي به المطاف في سجن نواكشوط المركزي مكبلا ب12 سجنا نافذا وبغرامة مالية بلغت خمسة ملايين أوقية.
أما العملية الثانية فقد كانت لاعتقال مجموعة من العاملين في مجال تهريب المخدرات من إفريقيا إلي أوربا بعيد رصدهم من قبل الاستخبارات الفرنسية في المنطقة،وهي العملية التي انتهت بمصرع ثلاثة أشخاص واعتقال آخرين ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات والسلاح والهواتف كانت معدة للتهريب،وتم الإعلان عن العملية من قبل الجيش الموريتاني بشكل موثق بعيد وصول المعنيين إلي "لمزرب" شمال موريتانيا لتخفيف الإحراج الذي تشعر به جمهورية مالي بعيد انتهاك سيادة أراضيها بشكل مستمر في ظل علاقة بينية متوترة منذ استدعاء نواكشوط لسفيرها بباماكو.
بيان وزارة الدفاع الفرنسية رغم سرعة صدوره لم يكشف كثرا من غموض ماوقع واكتفي بالقول إن باريس قدمت دعما لعملية نفذها الجيش الموريتاني ضد مجموعة مسلحة تنتمي لتنظيم القاعدة وكانت تستهدف إحباط هجوم تخطط له المنظمة.
ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن البيان الذي صدر اليوم الجمعة (23-7) تأكيده أن "آليات عسكرية فرنسية قدمت دعما فنيا ولوجستيا خلال عملية موريتانية استهدفت إحباط هجوم من قبل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ضد موريتانيا".
وأضاف البيان "العملية التي قادها الموريتانيون مكنت من القضاء على مجموعة إرهابية وإفشال مشروع للهجوم على أهداف موريتانية".
واعتبر البيان، الذي يمثل أول تعليق رسمي لباريس على العملية، أن هذا الدعم "يدخل في إطار المساعدة التي تقدمها فرنسا لبلدان المنطقة التي تخوض حربا ضد الإرهاب".
وأوضحت وزارة الدفاع الفرنسية أن المجموعة التي هاجمها الجيش الموريتاني هي التي أعدمت الرهينة البريطاني أدوين داير قبل عام وهي التي ترفض تقديم دليل على حياة (الرهينة الفرنسي) ميشيل جرمانو أو الدخول في حوار لتحريره" وفق البيان.
وفي انتظار رواية القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي (الطرف الثالث في الأزمة) وتوفر معطيات أكثر دقة من جهات محايدة يظل الجدل قائما بين من يري في ما وقع عملية انتقام لأرواح الضحايا من الجنود في "لمغيطي" و"تورين" و"الغلاوية" و"نواكشوط" ،وبين من يراها عملية فرنسية بامتياز استخدم فيها الجنود الموريتانيون علي غرار ما فعل بأسلافهم في الحروب السابقة لتحرير فرنسا من قبضة النازيين استلهاما لروح احتفالات الرابع عشر من يوليو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق