سيد أحمد ولد باب- مقاطعة توجنين - نواكشوط - موريتانيا -------------------------- ouldbaba2007@gmail.com --------------------------002222021097 من عمق المأساة .. نكتب وللناس نعيش
الأحد، ٢٥ يوليو ٢٠١٠
عودة الفرنسيين إلي موريتانيا
Ouldbaba2007@gmail.com
سيد أحمد ولد باب/ كاتب صحفي
لا أحد يجادل على الإطلاق في أن عملية عسكرية فرنسية موريتانية نفذت علي الأراضي المالية من أجل توجيه ضربة لبعض عناصر تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي ،لكن
الجدل قائم بشأن أهداف العملية ونتائجها والفاعل الحقيقي وتوقيتها والأطراف المستفيدة والخاسرة علي حد سواء.
ورغم أن الرؤية الحالية للأحداث لا تزال تميل لصالح رواية الجيش الموريتاني إلا العديد من المعطيات المتوفرة تكشف بجلاء حجم التناقض الحاصل بين الواقع والمعلن ،والفاعل والمفعول به في عملية ستكون من دون شك بداية مرحلة جديدة في الصراع القائم بين نواكشوط و القاعدة يأمل الموريتانيون أن لا تكون لها انعكاسات سلبية مباشرة علي الاستقرار داخل البلاد.
عودة الفرنسيين!!
منذ وصول الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" إلي السلطة في فرنسا بدت المطامع الفرنسية واضحة في العودة بقوة إلي إفريقيا(المستعمرة السابقة) ليس من باب النفوذ السياسي فحسب بل من خلال تواجد عسكري يضمن لها المزيد من الـتأثير في مجريات الأحداث والتعامل معها عن قرب كلما اقتضت الضرورة ذلك.
وخلال ثلاث سنوات بدت أنظمة القارة في مرحلة من أسوء مراحلها علي الإطلاق ،إما خنوع بالمرة أو رحيل عنيف كانت موريتانيا وغينا بيساو وغينا كوناكري والنيجر أهم ضحاياها،بينما نجت "أتشاد" بأعجوبة بعد أن وقع "إدريس دبي" صك استسلامه للقاعدة الفرنسية تحت ضغط قوات التحالف المناوئ له قبل ساعات من اقتحام القصر الرئاسي بأنجامينا.
ومنذ سيطرة الجيش الموريتاني علي مقاليد السلطة السياسية بموريتانيا بدأت القوات الفرنسية في تعزيز تواجدها علي الأراضي الموريتانية ليتوج التعاون الفرنسي الموريتاني بزيارة نادرة هي الأولي لقائد أركان جيش فرنسي إلي نواكشوط منذ سنوات طويلة.
الثاني عشر من أكتوبر 2009 كان الجنرال جان الويس جورجيلان قائد أركان الجيش الفرنسي يضع اللمسات الأخيرة علي تعاون فرنسي موريتاني مع نظيره قائد أركان الجيش الموريتاني اللواء محمد ولد الغزواني والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في اجتماع ضم الثلاثة بالقصر الرمادي بنواكشوط.
السلطات الموريتانية قالت إن هدف اللقاء كان دراسة سبل التعاون بين الجيش الموريتاني والفرنسي، والدور الذي يمكن للجيش الفرنسي أن يقوم فيه في تدريب الجيش الموريتاني، إضافة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ومواجهة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إضافة للتهريب الذي تعرفه الحدود الموريتانية مع جيرانها.
لكن الرجل المولع بالتراث الموريتاني – كما قدمته وسائل الإعلام الرسمية ساعتها - قام بجولة خاطفة شملت أهم المناطق الحدودية شمال البلاد حيث تتواجد قوات بلاده العاملة بموريتانيا ،وألتقي خلالها بأغلب الضباط الموريتانيين العاملين في المنطقة الشمالية،كما سمع عرضا مفصلا عن الخطة العسكرية الموريتانية لمواجهة القاعدة ودور الوحدات العسكرية التي تم إنشائها من قبل قيادة الأركان في ضبط الحدود المضطربة مع الجزائر ومالي.
ولم يقتصر التحرك الفرنسي علي العمل الميداني بل كانت النخبة الأمنية والقضائية علي موعد مع حراك من نوع آخر وكان السفير الفرنسي وأبرز معاونيه في نواكشوط قد دعوا إلي اجتماع شامل يوم 20 نوفمبر 2009 لتقييم الترسانة القانونية في موريتانيا المعدة لمواجهة الإرهاب والمساعي المبذولة لتحقيق ذلك.
اللقاء الذي شمل من الجانب لموريتاني كلا وزير العدل والداخلية وقائد أركان الدرك والمدير العام للأمن والمدير العام للجمارك والمدعي العام بوزارة العدل خصص لدراسة أهم النصوص القانونية المتعلقة بالإرهاب في موريتانيا وسبل تطويرها.
ووفق ما أعلنته الحكومة الموريتانية فإن الاجتماع الذي عقد تحت عنوان " اجتماع لجنة متابعة مشروع "العدالة والأمن في منطقة الساحل الصحراوي"بحث الخطة الفرنسية المتعلقة بالأمن في مناطق الساحل الصحراوي والممولة بمبالغ مالية تصل أربعة ملايين أورو موزعة بين موريتانيا ومالي والنيجر، بهدف ترقية ومعالجة النصوص القانونية المتطابقة مع قواعد قانون الإجراءات الخاصة بمكافحة الإرهاب والتهريب وتدفق الهجرة غير الشرعية.
وقد كان من الواضح أن وتيرة التعاون الفرنسي الموريتاني تسارعت بشكل لافت خلال الأشهر الماضية علي المستويين العسكري والسياسي ،وهي مسيرة من دون شك توجت بأعمال مشتركة لعل أهمها هو عملة "لمزرب" التي وجهت بموجبها نواكشوط ضربة قاسية لبعض العاملين في مجال تهريب المخدرات بمنطقة الساحل،رغم أن المعطيات غير الرسمية – وبعضها من مصادر موثوقة- تشير إلي أن العملية نفذت علي الأراضي المالية بعيد معلومات استخباراتية عالية توصلت بها نواكشوط من فرنسا أياما قليلة بعيد إطلاق سراح الرهينة الفرنسي لدي القاعدة "بيكمات" مقابل أربعة عناصر من التنظيم بينهم موريتاني.
ورغم أن نواكشوط ربحت – حسب المعلن- قتل ثلاثة من العاملين في مجال تهريب المخدرات إلي أوربا وأسرت 20 آخرين واستولت علي عدد من الأسلحة وعلى ست سيارات "تويوتا" ثلاث منها محملة بالمخدرات وشاحنة تحمل هي الأخرى خمسة أطنان من المخدرات تم إحراقها لاحقا فإنها خسرت علاقاتها بجمهورية مالي التي شعرت بالإهانة بعيد انتهاك سيادة أراضيها مرتين خلال شهر واحد من قبل قوات الجيش الموريتاني.
وبدأت الأزمة ...
في السادس عشر من يونيو 2010 كانت الأجواء السياسية بموريتانيا تنذر بتصعيد جديد بين الأحزاب السياسية المناوئة للرئيس الموريتاني والنخبة العسكرية والمدنية المدعومة من فرنسا،وكان الجدل قد أخذ منعطفا جديدا بين منسقية أحزاب المعارضة ونظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعيد اتهام زعيم المعارضة أحمد ولد داداه للأخير بتسليم الأراضي الموريتانية لجيوش أجنبية دون موافقة البرلمان أو علم الشعب قائلا في مهرجان المعارضة الشهير "إن هنالك قوات أجنبية تتحرك داخل البلاد جيئة وذهابا دون علم الشعب أو موافقة البرلمان،وإن الأمر يشكل تهديدا خطيرا للسلم الاجتماعي في موريتانيا ويعرض البلاد لأعمال عدائية بعيد انخراطها في حرب بالوكالة عن الآخرين"..
كلمات ولد داداه لم تكن تصريحات معارض غاضب بل كانت نذر مرحلة جديدة دخلتها البلاد ضمن صراع مفتوح بين الغرب والقاعدة قد تكون فيه موريتانيا "يمن" العرب الثاني – غير السعيد - تستقبل الجيوش دون موافقة وتدار علي أراضيها المعارك مع "الإرهابيين" دون أن تكون طرفا في النزاع أو لديها علم بتفاصيل الصراع.
ورغم أن رموز السلطة في موريتانيا اختاروا ردم الرؤوس في الرمال عن موضوع شائك دون إذن من الرئيس أو الفاعلين الرئيسيين في الملف فإن السفير الفرنسي بنواكشوط اختار أن يكون الطرف الممسك بزمام الخيط الآخر في رسالة عتب وتحدي إلي زعماء المعارضة الذين قاطعوا حفل سفارة بلاده بحجج تراوحت بين الانشغال المسبق والمرض.
السفير الفرنسي في نواكشوط ميشل فانبورتر لم يخف سعادته الشخصية بالمكاسب التي حققها صديقه الجديد بموريتانيا الرئيس محمد ولد عبد العزيز دون أن ينسي الرد علي تصريحات زعيم المعارضة أحمد ولد داداه قائلا : إن الإدارة الفرنسية ستواصل دعمها لموريتانيا "مع احترام كامل لسيادتها و تشبث بالمبادئ التي ما فتئت تنير لها الطريق" .
وفي رسالة دعم جديدة لمواقف ولد عبد العزيز في مواجهة خصومه من السياسيين قال ميشل فانبورتر "أود بهذه المناسبة أن أحيي بحرارة كل أولائك الذين يكرسون جهودهم من أجل الرقي الاجتماعي و الازدهار الاقتصادي لموريتانيا ـ و أعلم أنهم متواجدون معنا بكثرة هذا المساء".
فخاخ القاعدة ...
يكاد يجمع أغلب المتابعين للعملية الحالية شرق موريتانيا علي أن مواجهة عسكرية وقعت بالفعل بين القاعدة والجيشين الموريتاني والفرنسي ،لكن يختلف الكل تقريبا في حجم وأهداف العملية ،وتقييم المبررات التي قدمتها نواكشوط لتسويق رؤيتها داخل وخارج البلاد.
ويميل الرأي العام عموما إلي تصديق الفرضية الرائجة حاليا بأن قوات فرنسية نفذت العملية بغية تحرير الرهينة الفرنسي "جيرمانو" من قبضة خاطفيه المفترضين،وأن جنود الجيش الموريتاني كانوا جزءا بالفعل من معركة التحرير المفترضة لضمان جبهة إسناد واسعة للفرنسيين في رمال مالي المتحركة.
ويعزز هذا الرأي مسارعة الفرنسيين إلي توضيح دورهم في العملية والذي حددوه بالإسناد التقني والفني لبعض الآليات الفرنسية في محاولة للنأي بالنفس عن الآثار السالبة لأي عملية فاشلة من هذا القبيل قد تضر بصورة الجيش الفرنسي في أولي مهامه القتالية بالصحراء،أو أي تداعيات سياسية للعملية في حالة إقدام القاعدة علي إعدام الرهينة الفرنسي انتقاما لضحاياها ونكاية ب"ساركوزي" المثقل حاليا بفضائح مالية باتت شغل الفرنسيين الشاغل .
لكن وزارة الدفاع الفرنسية لم تنس نصيبها من عملية التسويق المطلوبة لأي عملية من هذا النوع ،مقدمة مبررات مقنعة نسبيا للخارج من خلال تذكير الرأي العام الأوربي بأن العملية استهدفت المجموعة التي قتلت الرهينة الأبراطاني قبل فترة وترفض حاليا إعطاء معلومات عن الرهينة الفرنسي "جيرمانو" دون الجزم بأنها من يحتجزه لما لذلك من تداعيات سياسية خطيرة.
وتبدو الرواية الموريتانية للأحداث أقرب إلي عملية تسويق "فاشلة" لا تغطي علي استخدام الأراضي الموريتاني كمنصة لتصفية الحسابات القائمة بين الرئيس الفرنسي نيكولا "ساركوزي" وكتيبة الملثمين بقيادة عبد الحميد أبو زيد بل لتخفيف حدة الغضب المتصاعد من أطراف المشهد السياسي بسبب تزايد نفوذ الفرنسيين داخل البلاد.
ولم تقف السلطات الموريتانية مكتوفة الأيدي رغم ترددها لساعات طويلة ،بل كان المسوغ جاهزا وقريبا "هجوم وشيك علي وحدة عسكرية موريتانية متمركزة بمدينة "باسكنو" كانت القاعدة تنوي القيام به نهاية الشهر الجاري".
وبغض النظر عن دقة الرواية الرسمية أو الطرح السائد في أوساط النخبة فإن نواكشوط بمعركتها الحالية قد دخلت منعطفا بالغ الخطورة ليس علي المستوي العسكري فحسب بل علي المستوي السياسي شبيه بما عاشته البلاد بداية عقد ها المنصرم في ظل عدو خارجي متربص،وجبهة داخلية هشة وقوي خارجية تضغط من أجل تحقيق مصالحها الذاتية بغض النظر عن تداعيات الأمور.
نواكشوط ثأرت لجيشها أم سعت لتحرير "جيرمانو"؟
أثار إعلان السلطات الموريتانية القيام بعملية عسكرية خاطفة شمال جمهورية مالي العديد من الأسئلة حول حقيقة ماجري وانعكاساته علي العلاقة بين دول الجوار والرهائن الغربيين لدي تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي.
ورغم أن نواكشوط بدت سعيدة – علي لسان وزير الإعلام حمدي ولد المحجوب – بما حققته القوات المسلحة من خلال أولي عملياتها الهجومية ضد التنظيم بعد سنوات من الخسائر المتتالية للجيش فإن العديد من الأسئلة ما يزال يحتاج إلي توضيح من قبل الرسميين؟.
فالعملية التي تزامت مع إلغاء الرئيس الموريتاني سفريه المبرمجين سابقا إلي "أنجامينا" و"كمبالا" دون سابق إنذار أثارت العديد من اللغط خارج الأروقة الرسمية ،خصوصا وأن الرجل عائد للتو من العاصمة الفرنسية باريس مع وزير دفاعه حمادي ولد حمادي بعيد حضورهما احتفالات فرنسا الجريحة بغياب مواطنها "جيرمانو" وما صاحب ذلك من جدل داخلي حول قدرة الرئيس المضيف نيكولا ساركوزي علي ضمان سلامة رعاياه.
السلطات الموريتانية لا تزال ترفض علنا علي الأقل ربط العملية بتحرير الرهينة الفرنسي "جيرمانو" الضائع في صحراء مالي ، لكنها بدت عاجزة عن الرد علي العديد من الأسئلة المتعلقة بتأخير الحديث عما وقع علي حدودها الشرقية مع مالي إلي غاية الجمعة ورفض كبار القادة العسكريين تأكيد المعلومات التي تداولتها الأوساط الفرنسية والأسبانية مساء الخميس 22-7-2010 بشأن أهداف العملية ونتائجها والتداعيات التي أحدثتها في أوساط المعنيين بملف الرهائن الغربيين لدي القاعدة.
الصحف الأسبانية كانت حاسمة في تناولها للقضية معلنة فشل الفرنسيين في تحرير رهينتهم المختطف بعيد عملية سريعة علي الأراضي المالية استغلت فيها عناصر عسكرية تابعة للجيش الموريتاني.
ولم تنس الصحف الأسبانية أن تنقل مخاوف الحكومة الأسبانية من تأثيرات العملية المحتملة علي الرهائن المحتجزين لدي التنظيم منذ سبعة أشهر بعيد اختطافهم علي الأراضي الموريتانية.
ارتياح وزير الإعلام داخل المؤتمر الصحفي بوزارة الداخلية وحديثه المستفيض عن عملية استباقية حمل الكثير من الأسئلة المثيرة وكلها تتعلق تقريبا بالتفاصيل التي أعلنها بنفسه أمام الصحفيين.
فالقتلى ستة من أعضاء التنظيم دون ذكر للأسماء أو حديث عن مكان الجثث رغم استحالة حمل أربعة فارين (بينهم جريج) لجثث رفاقهم تحت ألسنة النيران المفترضة من بنادق العسكريين في عملية هي الأولي للجيش خارج الحدود.
كما أن عدد الأشخاص (عشرة إرهابيين) كان محدودا بالمقارنة إلي الهدف المنشود (الهجوم علي الوحدة العسكرية المتمركزة عند مدينة باسكنو) رغم تواجد المئات من الجنود الموريتانيين بالمنطقة ووجود وحدات أخري قريبة قادرة علي الإسناد في أي لحظة ،ناهيك عن قرب التاريخ المحدد للعملية المفترضة (28 يوليو 2010) وهو ما لا يسمح بحشد المزيد من الرجال والعتاد في منطقة صحراوية مكشوفة ومراقبة بدقة من قبل جيوش المنطقة وقادة الأجهزة الإستخباراتية العاملين في الميدان.
كما أن كميات الذخيرة المصادرة من الإرهابيين تم إعدامها بمكان الحادث (كما تقول الحكومة)،بينما تم ضبط وثائق ومستندات كانت بحوزة "الإرهابيين أثناء تحضيرهم للعملية وهو ما يعني وجود حالة من الاستقرار تنعدم في مثل هذه العمليات إذ من المستبعد حمل الوثائق إلي ساحة المواجهة لكن من المستساغ وجودها لدي احدي النقاط الثابتة للتنظيم داخل صحراء مالي أو لدي بعض المتعاملين معه من أبناء المنطقة.
وعلي الطرف الآخر تبدو الرواية المتعلقة بتحرير "جيرمانو" أكثر واقعية من خلال العديد من المعطيات المتوفرة علي الأرض.
فالجنود الفرنسيون عبروا مدينة النعمة قبل ثلاثين يوما تقريبا في آليات عسكرية خفيفة باتجاه الحدود الشرقية لموريتانيا،والقوات المكلفة بمحاربة الإرهاب أجرت تمرينات مكثفة خلال الأسابيع الماضية استعدادا لحدث ما لم يعلن عنه حتى الآن.
كما أن الجيش الموريتاني مهد للعملية بعمليتين نوعيتين كانت الأولي حينما عبر عناصر من الجيش الأراضي المالية إلي مناطق تواجد "الأزواديين" لاعتقال عمر الصحراوي أثناء حفل زفافه بعيد رصد تحركاته من قبل ثلاثة علي الأقل من المدنيين كلفتهم الجهات الأمنية بالملف لعلاقاتهم الاجتماعية بالمنطقة.
وقد تكللت العملية بالنجاح بعيد اعتقال المطلوب أثناء غفلة من معاونيه المفترضين ونقله إلي الأراضي الموريتانية ضمن قافلة من السيارات عن طريق الممر الرابط بين "لفود" و"القلاوية" قبل أن ينتهي به المطاف في سجن نواكشوط المركزي مكبلا ب12 سجنا نافذا وبغرامة مالية بلغت خمسة ملايين أوقية.
أما العملية الثانية فقد كانت لاعتقال مجموعة من العاملين في مجال تهريب المخدرات من إفريقيا إلي أوربا بعيد رصدهم من قبل الاستخبارات الفرنسية في المنطقة،وهي العملية التي انتهت بمصرع ثلاثة أشخاص واعتقال آخرين ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات والسلاح والهواتف كانت معدة للتهريب،وتم الإعلان عن العملية من قبل الجيش الموريتاني بشكل موثق بعيد وصول المعنيين إلي "لمزرب" شمال موريتانيا لتخفيف الإحراج الذي تشعر به جمهورية مالي بعيد انتهاك سيادة أراضيها بشكل مستمر في ظل علاقة بينية متوترة منذ استدعاء نواكشوط لسفيرها بباماكو.
بيان وزارة الدفاع الفرنسية رغم سرعة صدوره لم يكشف كثرا من غموض ماوقع واكتفي بالقول إن باريس قدمت دعما لعملية نفذها الجيش الموريتاني ضد مجموعة مسلحة تنتمي لتنظيم القاعدة وكانت تستهدف إحباط هجوم تخطط له المنظمة.
ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن البيان الذي صدر اليوم الجمعة (23-7) تأكيده أن "آليات عسكرية فرنسية قدمت دعما فنيا ولوجستيا خلال عملية موريتانية استهدفت إحباط هجوم من قبل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ضد موريتانيا".
وأضاف البيان "العملية التي قادها الموريتانيون مكنت من القضاء على مجموعة إرهابية وإفشال مشروع للهجوم على أهداف موريتانية".
واعتبر البيان، الذي يمثل أول تعليق رسمي لباريس على العملية، أن هذا الدعم "يدخل في إطار المساعدة التي تقدمها فرنسا لبلدان المنطقة التي تخوض حربا ضد الإرهاب".
وأوضحت وزارة الدفاع الفرنسية أن المجموعة التي هاجمها الجيش الموريتاني هي التي أعدمت الرهينة البريطاني أدوين داير قبل عام وهي التي ترفض تقديم دليل على حياة (الرهينة الفرنسي) ميشيل جرمانو أو الدخول في حوار لتحريره" وفق البيان.
وفي انتظار رواية القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي (الطرف الثالث في الأزمة) وتوفر معطيات أكثر دقة من جهات محايدة يظل الجدل قائما بين من يري في ما وقع عملية انتقام لأرواح الضحايا من الجنود في "لمغيطي" و"تورين" و"الغلاوية" و"نواكشوط" ،وبين من يراها عملية فرنسية بامتياز استخدم فيها الجنود الموريتانيون علي غرار ما فعل بأسلافهم في الحروب السابقة لتحرير فرنسا من قبضة النازيين استلهاما لروح احتفالات الرابع عشر من يوليو.
الثلاثاء، ٦ يوليو ٢٠١٠
مؤتمر الحزب الحاكم .. اندفاع نحو التغيير أم عودة للماضي؟
سيد أحمد ولد باب/ كاتب صحفى Ouldbaba2007@gmail.com
مع الساعات الأولي من صباح يوم الأحد القادم ستكون الخارطة النهائية لقيادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم قد اتضحت معالمها، أو على الأقل باتت أغلب رموز الحزب معروفة لدى الكثير من صناع الرأي والمهتمين بمسار الحياة السياسية في البلاد بعد شهور من حراك داخلي أججت ناره صراعات قبلية وجهوية وفئوية مستحكمة ومسار أحداث لم توقف مجمل الأطراف في تجاوز مطباته بسلام…
ورغم أن الحدث حزبي بامتياز إلا أن التغييرات المتوقعة داخل قيادة الحزب الحاكم والخطط المستقبلية له وقدرة الفاعلين فيه على التأثير في مجرى الأحداث السياسية والأمنية بالبلاد – بغض النظر عن رؤيتنا السالبة تجاه العديد منهم – تفرض قدرا من التعاطي الإيجابي مع المؤتمر والحزب نقدا للمسيرة وتبيينا للأخطاء ودفعا باتجاه ترشيد حياة سياسية باتت تحتضر في بلد كل سكانه تقريبا من السياسيين..
ارهاصات النشأة
في الخامس من مايو 2009 ولد حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا وسط أجواء أزمة تعيشها البلاد بعيد استلاء الجيش على السلطة في السادس من أغشت 2008 مما شكل أرضية غير صحية سمحت للعديد من "طحالب" السياسة بأخذ مواقعهم داخل قيادة التشكلة السياسية الأبرز في موريتانيا مستفيدين من شطارة في النفاق اعتادوا عليها ،أو جهلا بالخارطة السياسية من قبل القائمين علي المشروع، أو رغبة لدى الرئيس الخاضع لامتحان الشرعية في لملمة الجراح الداخلية والإبقاء على أكبر قدر ممكن من التماسك الداخلي وسط أجواء من التفاؤل بتشكيل حزب سياسي يكون عامل وحدة للأغلبية ويصحح مسار حزب "عادل" الذي أنفلت زمامه من بين أيدي العسكريين رغم وضع رئيسه في المعتقل بعد أن انشغل قادة المؤسسة أو الثنائي "عزيز وغزواني" على الأصح بترتيب الوضع الأمني عن السياسي إبان الشهور الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ووزيره يحي ولد أحمد الوقف.
حالة من الارتجالية لم تترك لرئيس المجلس الأعلى للدولة الحاكم ساعتها محمد ولد عبد العزيز بدا من التعبير عن عدم رضاه وهو يطالع لائحة المكتب التنفيذي للحزب المقترحة من قبل معاونيه قبل ساعات من استقالته من قيادة الحزب لموانع قانونية،بل ذهب أبعد من ذلك إلي درجة القول بأن غالبية الأعضاء تم اختيارهم من دون أسس واضحة وأن المهم هو القادم وما تقرره القواعد الشعبية مضيفا اسما أو اثنين علي اللائحة بعيد صعوده للمنصة ومتعهدا بمراجعة شاملة وفق الثقل الانتخابي والنجاعة السياسية للمسؤولين عن إدارة الحزب.
ورغم أن الحزب حدد أولويات مكتبه التنفيذي في خمس كليات أساسية فقد نجح في بعضها وفشل فشلا ذريعا في البعض الآخر ضمن مسيرة ناهزت السنة تقريبا مستفيدا من تعلق الموريتانيين بأحزاب السلط وعجز المعارضة السياسية عن الفعل السياسي في كثير من الأوقات.
ومع تخلي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن قيادة الحزب بعيد انتخابه رئيسا للبلاد كان رفيق درب "الجنرالين" ووزير الدفاع السابق محمد محمود ولد محمد الأمين قد تسلم قيادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بطاقمه غير المتجانس وغير الفعال في امتحان صعب،يقال إن أقل تحدياته هو حشد إمكانيات مادية هائلة للقيام بحملة الانتساب وضبط المنتسبين الذي بلغ عددهم حوالي 500 ألف منتسب داخل البلاد وحدها ، وتلميع صورة حكومة بلغ العجز ببعضها مبلغه، وقتل الطموح الزائد لدى البعض الآخر بتجيير الدولة والأحزاب لصالح مصالحه مع قدر من الخلافات الجهوية كادت انتفاضة وزراء "أترارزة" تكون نواتها الأولي قبل أن يقرر الرئيس ورئيس الحزب وضع حد لها بعد ساعات فقط من مقاطعة المعنيين لمؤتمر "أركيز" الشهير..
أشواك على الطريق
حاول قادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم خلال الشهور الماضية دخول المعترك السياسي من مختلف الأبواب -في خروج علي التقاليد التي كرستها أحزاب السلط سابقا-ناشطين في الحملات الدعائية لصالح الحكومة رغم ضعف أدائها ،ومثرين نسبيا الحالة الثقافية في البلد من خلال الندوات ،ومتحالفين مع بعض أحزاب المعارضة في انتخابات مجلس الشيوخ تلطيفا للأجواء وتقديرا للحظة السياسية وميزان القوي،ومنافسين لأحزاب أخري على القواعد الشعبية ولو بأسلوب صبياني في بعض الأوقات كما حصل في مدينة نواذيبو من مهرجانات متزامنة مع أنشطة أحزاب المعارضة وصد عن سماع الرأي الآخر بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر،وهو المشهد الذي كاد يتكرر إبان مظاهرة المنسقية قبل بروكسل قبل أن يقرر الرئيس وقف "حوار الضرار" الذي دعته له أحزاب الأغلبية في نفس التوقيت.
ربط الحزب علاقات وازنة مع بعض الأحزاب العربية في سوريا والسودان والجزائر والمغرب وتراجع انفتاح الحزب الحاكم علي الجوار الإفريقي ربما لانخراط أغلب النخب السياسية الإفريقية في الحملة الدولية ضد انقلاب السادس من أغشت 2008،وأعاد الحزب تنظيم كتلته النيابة وغير قيادتها السابقة،واستقطب عددا من النواب الجدد وخصوصا من شركائه في الأغلبية مع ضعف في الأداء الإعلامي صاحب مسيرة الحزب منذ تأسيسه لم تنفع معه محاولات الترقيع والتغيير التي شهدتها لجانه الإعلامية خلال الشهور الماضية.
كما أثرت الخلافات داخل الحزب على الصورة التي ترسم عادة في ذهن المواطن العادي عن أحزاب السلطة،وبات الحديث الإعلامي والسياسي عن التغييرات الممكنة في القيادة والخلافات المزمنة بين القادة وموقف الرئيس الموريتاني من مجمل تلك الأحداث ،دون أن تجد تلك الحقائق أو الشائعات من يضع لها حدا في ظل ضيق في الأفق لدي البعض ودفعا باتجاه التوتير من أطراف أخري مستفيدة من ظهور الخلافات وحالات الاصطفاف داخل الحزب بين مجمل المجموعات.
ثبات أم تغير؟
واليوم وقد اقترب موعد الحصاد السياسي يرى ولد محمد الأمين ورفاقه أن الكليات الخمسة تم انجاز غالبيتها وتحديدا اكتمال البناء الداخلي بعيد عمليات الإنتساب والتنصيب،وتنظيم الأغلبية وتوسيع دائرة العمل السياسي المشترك مع الأحزاب الأخري ، من خلال إنشاء ائتلاف أحزاب الأغلبية الذي يضم اليوم أغلبية الأحزاب الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز مع يد ممدودة للمعارضة من أجل الحوار حتى ولو ظل الحوار بعيد المنال رغم ارتياح بيجل ورغبة ولد الوقف وايجابية حزب "تواصل" ...
لكن ما لايدركه قادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية "الحاكم"
فعليا هو ما إذا كانت تلك "المنجزات" كافية لتجديد الثقة لغالبية أعضاء المكتب التنفيذي أم أن عين السخط لم تبد لرئيس الحزب السابق ورئيس البلاد الممسك بالملف غير النصف الفارغ من الكأس.
منطق السياسة يقضي بالإبقاء حاليا علي رئيس الحزب محمد محمود ولد محمد الأمين إلي غاية انتخابات نوفمبر 2011 مع مراعاة عادلة للتمثيل العرقي والفئوي في نواب الرئيس يعيد للحزب بعض التوازن المفقود ويتم بموجبه الاستغناء عن بعض الرموز الذي انتدبوا إبان المرحلة الانتقالية إضفاء للمصداقية علي خطاب التغيير الذي تبناه رئيس البلاد وتعزيزا للمسحة الأخلاقية داخل الحزب من خلال اختيار شخصيات قادرة علي إيصال صوت الشارع السياسي إلي القيادة والعدل في تزكية المرشحين في الانتخابات القادمة من خلال تقديم الأكفأ والأكثر خدمة للناس بعيدا عن "لوبيات الفساد" التي عصفت بالحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي أيام الرئيس ولد الطايع وأنتجت نخبة جشعة متحكمة في مال البلاد ورقاب العباد ترقية وتنزيلا بحسب المزاج أو تماشيا مع خدمة الدفع المسبق...
كما يحتاج قادة الحزب إلي إبعاد أعضاء الحكومة عن المناصب التنفيذية الحساسة لضمان فاعلية في الأداء يفتقدها المنشغل بالعمل الإداري ،وازدواجية تمنع العديد من أبناء الوطن من خدمة بلدهم إذا ما تم اشتراط الولاء لحزب معين كأساس للتوظيف في المناصب الإدارية، كما أن الشفافية تقتضي إلغاء كل حماية سياسية عمن يتولون إدارة المال العام دون أن يكون ذلك تشريعا للحرمان من الحقوق السياسية لمن يقع عليه عبء المسؤولية بقدر ما يشكل ضابطا مهما في بداية مشوار تشكل الدول...
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)